هل يجوز للمرأة لبس ملابس عليها صور أو عبارات (دعاية- أسماء فرق رياضية… إلخ)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الصور التي تُتَّخذ على الملابس ينبغي أن يتجنَّبها الرجال والنساء جميعًا؛ لعموم الأدلة في ذلك.
ومن أظهرها حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها أخبرته أنها اشترت نُمْرُقةً(1) فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يَدخُل، فعرفَتْ في وجهه الكراهية فقالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبتُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟». قَالَتْ: فقلت: اشتريتُها لك لتقعد عليها وتَوَسَّدَها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَـهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». وقال: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْـمَلائِكَةُ»(2).
وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفرٍ، وقد سَتَرْتُ بقِرَامٍ(3) لي على سَهْوَةٍ لي فيه تماثيلُ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هَتَكَهُ وقال: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله». قالت: فجعلناه وسادةً أو وسادتين». خرَّجَهُ البخاري ومسلم. وزاد مسلم بعد قولها «هَتَكَه»: وتلوَّن وجهه(4).
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم»: «قال أصحابُنا وغيرهم من العلماء: تصويرُ صورة الحيوان حرامٌ شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه مُتوعَّد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يُمتهن أو بغيره، فصَنْعَتُه حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاةً لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فَلْسٍ أو إناء أو حائط أو غيرها.
وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرامٍ، هذا حكم نفس التصوير.
وأما اتِّخاذ الـمُصوَّر فيه صورة حيوان: فإن كان مُعلَّقًا على حائط، أو ثوبًا ملبوسًا، أو عمامة ونحو ذلك مما لا يُعَدُّ ممتهنًا- فهو حرام، وإن كان في بساط يُداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يُمتهَن فليس بحرامٍ.
ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت؟ فيه كلامٌ نذكره قريبًا إن شاء الله، ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظلَّ له.
هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، وقال بعض السلف: إنما يُنهَى عما كان له ظل، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظلٌّ، وهذا مذهب باطل؛ فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يَشُكُّ أحد أنه مذموم، وليس لصورته ظل، مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة»(5). انتهى.
أمَّا ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ» فهو محمولٌ عند أهل العلم- كما نقل ذلك عنهم الشيخ ابن باز رحمه الله- على أحد أمرين:
• أحدهما: أنه الصورة التي تكون في البُسُط ونحوها مما يُداس ويُمتهن، كالوسائد، فهذا معفوٌّ عنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عنه. والمقصود: العفو عن استعماله، أما التصوير فلا يجوز.
• والثاني: أنه النُّقوش التي تكون في الثياب من غير الصور، فإن النقوش في الثياب لا تضرُّ، وليس حكمها حكم الصورة، إنما المحرَّم صورة ما له رُوح من آدمي أو غيره؛ لما ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه دخل يومًا على عائشة ورأى ثوبًا فيه صورة، فغضب وهتكه وقال: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَـهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». قالت عائشة: فجعلتُ منه وسادتين يرتفق بهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان على موعدٍ مع جبرائيل عليه السلام، فتأخر عنه فخرج إليه ينتظره، فقال له جبرائيل: «إِنَّ فِي الْبَيْتِ تِمْثَالًا وَسِتْرًا فِيهِ صُورَةٌ، وَكَلْبًا، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ أَنْ يُقْطَعَ حَتَّى يَكُونَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مُنْتَبِذَتَانِ تُوطَئَانِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ أَنْ يُخْرَجَ». ففعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فدخل جبرائيل عليه السلام. قال أبو هريرة: وكان الكلب جَرْوًا تحت نضد في البيت أدخله الحسن أو الحسين(6).
والصور التي تكون على الملابس فيها تفصيلٌ، فمنها ما لا يظهر فيه الامتهان، كصور الفنانين واللاعبين، فإنها ما وُضعت إلا للمحبة والإكرام، وبعضها يظهر فيه الامتهان كالصور التي تكون على حفَّاظات الأطفال، وبعضها مشتبهٌ بينهما، ومنها الصور الصغيرة التي لا تكاد تتبين منها ملامح بشرية، أو ما كان على هيئات كاريكاتورية لا وجود لها على هذه الهيئة في عالم الواقع، ولا يخفى أن الورع اجتنابه.
ويبقى أن لوجود الصور على ملابس النساء خاصة ملحظًا آخر إن قُصِد به وجود هذه الصور على ملابسهن الخارجية، فإنه يكون أدعى للإنكار والمراجعة؛ لأنه يضيف عاملًا آخر من عوامل المنع في هذا الباب، وهو كونه ثياب شهرة؛ لأن هذه الصور تلفت أنظار الناس إلى من تلبسها من النساء؛ لخروجها عن المعتاد في عالم المتدينات، وقد أُمر النساء ألا يضربن بأرجلهن ليُعلَم ما يُخفين من زينتهن، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]، فأولى عندما يكون اللافت للنظر أمرًا خارجيًّا، ولا يحتاج إلى ضرب بالأرجل، ولا تصفيق بالأيدي.
أما وجود عبارات دعائية فوق الملابس النسائية فإن كانت دعاية لمؤسسات تعمل في مجال مشروع، وكان التحرُّك بها في أوساط نسائية- فلا حرج، ومن الأمثلة على ذلك الدعاية لمؤسسات إسلامية إغاثية أو تعليمية أو تربوية ونحوه، أما إن كان المقصود بها أن تكون دعاية للرجال والنساء جميعًا- فلا يحل ذلك؛ لأن المقصود به في هذه الحالة هو جذب انتباه الناس إلى هؤلاء النسوة، إذ لا تتحقق الدعاية إلا بذلك، وهو نقيضُ ما قصده الشارع بالنسبة للمرأة من التصوُّن والاحتياط. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) وسادةً صغيرة يُتَّكأُ عليها.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «من لم يدخل بيتًا فيه صورة» حديث (5961)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتًا فيه صورة ولا كلب» حديث (2107).
(3) القرام: هو السِّترُ الرقيق.
(4) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «ما وطئ من التصاوير» حديث (5954)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم تصوير صورة الحيوان» حديث (2107).
(5) «شرح النووي على صحيح مسلم» (14/81-82).
(6) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في الصور» حديث (4158)، والترمذي في كتاب «الأدب» باب «ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة ولا كلب» حديث (2806)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».