لقد روى البيهقي بسند حسن عن مجاهد قال: استشهد رجالٌ يوم أحُد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلن: يا رسول الله، نستوحش بالليل فنبيتُ عند إحدانا حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ، حَتَّى إِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ، فَلْتَؤُبْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى بَيْتِهَا»(1).
شيخي هل يعني هذا أن مجرَّد الخروج لتطيب النفس ورفع الضيق عن صدرها يُعدُّ حاجة؟ أم الحاجة في هذا المقام تعني ما يترتب عليه مشقةٌ فوق المعتادة في الشرع؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن للمعتدة من وفاة أن تخرج نهارًا للحاجة، وأن تخرج ليلًا للضرورة، ومن الأمثلة على الحاجات التي تخرج بسببها نهارًا خروجها للتسوق لحاجاتها المعيشية، أو ذهابها إلى العمل أو الامتحانات، أو زيارة والدها المريض ونحوه، ومن هذه الحاجات الترويح عن نفسها إذا استوحشت، وأصابها حرجٌ في صدرها، فلها أن تخرج لتستأنس عند بيت جارتها ونحوه؛ لأن أزمة ضيقِ الصدر قد تتطور إلى مرض نفسي، ولها أن تخرج ليلًا للضرورات كالعوارض الطبية أو الأمنية ونحوه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «لا يخلو خروج المعتدة من ثلاث حالات: إما أن يكون لضرورةٍ، أو لحاجةٍ، أو لغير ضرورة ولا حاجة. الحال الأولى: إذا كان لغير ضرورة ولا حاجة، فإنه لا يجوز، مثل لو قالت: أريد أن أخرج للنزهة، أو للعمرة، فإنه لا يجوز، لأنه ليس لحاجة ولا لضرورة. الحال الثانية: أن يكون الخروج من البيت للضرورة، فهذا جائز ليلًا ونهارًا، مثلًا حصل مطر، وخشيت على نفسها أن يسقط البيت فإنها تخرج للضرورة، لكن إذا وقف المطر وصُلِّح البيت ترجع، ومثل ذلك لو شبت نارٌ في البيت. الحال الثالثة: أن يكون لحاجة، مثل لو ذهبت تشتري- مثلًا- عصيرًا، أو تشتري شايًا، ومنها: أن تكون مدرِّسة فتخرج للتدريس في النهار، ومنها: أن تكون دارسة فتخرج للدراسة في النهار لا في الليل، ومنها: أنها إذا ضاق صدرُها فإنها تخرج إلى جارتها في البيت لتستأنس بها في النهار فقط؛ لأن أزمة ضيق الصدر قد تتطور إلى مرض نفسي، ومنها: أن تخرج لتزور أباها المريض، فهي حاجة من جهة الأب، ومن جهتها هي، أما هي فستكون قلقةً، حيث لم ترَ بعينها حالَ أبيها، وأما أبوها فإن قلب الوالد يحن إلى ولده، فنقول: لا بأس أن تخرج لتعود أباها إذا مرض، أو أمها، أو أحدًا من أقاربها، فلها أن تخرج نهارًا لا ليلًا، ووجه التفريق بين الليل والنهار أن الناس في النهار في الخارج والأمن عليها أكثر، وبالليل الناس مختفون والخوف عليها أشد». والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________
(1) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (7/ 36) حديث (12077)، والبيهقي في «الكبرى» (7/ 436) حديث (15289)، وذكره ابن القيم في «زاد المعاد» (5/ 692) وقال: «هذا وإن كان مرسلًا فالظاهر أن مجاهدًا إما أن يكون سمعه من تابعي ثقة أو من صحابي، والتابعون لم يكن الكذب معروفًا فيهم».