شيخنا الجليل، أودُّ أن أفهم: هل النصارى الموجودون في البلاد الإسلاميَّة الآن مُستأمنون أم ماذا؟ وكيف كانت دعوة الذِّمِّيين وقت الخلافات الإسلاميَّة؟ وما الفرق بينها وبين دعوتهم الآن؟ وكيف أفصل بين عزَّة المسلم تُجاه الكافر واللِّين معه حال دعوته؟ وهل الغلظة في دعوة غير المسلمين وإرهابهم هي من باب عِزَّة المسلم؟ وماذا لو دعوت كافرًا للإسلام فطردني من محلِّ تجارته أو بيته: هل سيختلف ردُّ الفعل ما بين أن نكونَ في خلافةٍ إسلاميَّةٍ عن الآن؟ وهل يكون نفس الحكم إذا أسأت معه في الدَّعْوة بأن أُصرِّح له ببطلان دينه أم تلطَّفت معه في الكلام؟ وهل يَحسُن بي إن دعوت كافرًا في غياب الخلافة الإسلاميَّة أن ألجأ إلى أيِّ صورةٍ مأمونة العواقب لإرهابه حتى أحافظ على عِزَّتي كمسلمٍ أم أتركه يُهينني أو يستضعفني وأحتسب فقط مع ما قد يُحدثه ذلك من تماديه؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن شبهة الأمان كالأمان، فكلُّ ما اعتقده الذِّمِّيُّ أمانًا فهو له أمانٌ وإن لم يكن كذلك في واقع الحال، وغيرُ المسلمين الآن يعيشون في كنفِ دولةٍ ترعاهم وتُعطيهم حقوقَ المواطنة وتُؤمنهم بما تُؤمِّن به غيرَهم من سائر المواطنين، فهم مُؤمَّنون بهذا المعنى، فليس لأحدٍ أن يتعرَّض لهم في شيءٍ من دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم. ودعوةُ النَّصارى كدعوة غيرهم تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾[النحل: 125]، ومُجادلتهم تكون بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [العنكبوت: 46].
ومقام الدَّعْوة لا يصلح فيه الغلظة ولا الإرهاب لا مع النَّصارى ولا مع غيرهم، وتخيَّر من وسائل الدَّعْوة ما تتألَّف به قلوب المدعوين مع المحافظة على كرامة جماعة المسلمين.
وخيرٌ لك يا بني أن تتعلَّم قبل أن تتصدَّر للدَّعْوة؛ فقد قال ربُّك جلَّ وعلا: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ [التوبة: 46]. زادك اللهُ حِرْصًا وتوفيقًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.