هل واقعة تعطيل عمر بن الخطاب رضى الله عنه لحد السرقة في عام الرمادة واقعة صحيحة؟
وعلى فرض صحتها: هل يسوغ شرعًا للمرء إذا خاف على نفسه الموت جوعًا ولم يجد من يطعمه، أن يلجأ للسرقة؟
وهل ترك الجائع سؤال الناس إلى أن يموت جوعًا حذر الوقوع في الذل، هل في ذلك حرمة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
هذه الواقعة موجودة في كتب التاريخ والسير، وسننطلق في حديثنا من افتراض ثبوتها وصحتها، وهي مخرَّجة على الأصول ولا تتعارض معها، ذلك أن حكم الخطاب لا يثبت في حق المكلف إذا بلغه ولم يقدر على تنفيذه، وعمر رضى الله عنه درأ الحد عمن يسرقون اضطرارًا، لما وقعوا فيه من ضرورة ملجئة، ودرأ الحد عن غيرهم لاختلاطهم بهم ووجود شبهة عامة، وهي اختلاط من يسرقون اختيارًا بمن يسرقون اضطرارًا، والحدود تدفع بالشبهات كما هو مقرر في الأصول، ولأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة، بل قد روى الخطيب في «تاريخ بغداد» رحمه الله تعالى، عن مكحول، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا قَطْعَ فِي زَمَنِ الْـمَجَاعَةِ».
وهذا إن صح فهو نص من المشرع ، يوقف هذا الحد حين يعدم الناس، ولا يجدون ما يقتاتون به، فحينها يباح لهم أخذُ ما يسد رَمَقَهم، ولا يعد ذلك من السرقة الموجبة للحد الشرعي.
وينبغي لمن أشرف على الموت جوعًا أن يدفع عن نفسه الموت بالأكل مما يتيسر له من القوت، ولو أخذه عنوة من صاحبه غير المحتاج إليه، فإن الضرورة تبيح من المحظور ما يلزم لدفعها، على أن تقدر بقدرها، ويسعى في إزالتها. والله تعالى أعلى وأعلم.
السرقة خوفًا من الموت جوعًا
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 15 الحدود