السؤال:
نحبك في الله شيخنا الجليل، نحن شركة مع عمي رحمه الله، وكان عمي في هذه الشركة يأخذ أكثرَ من حقه، وبعد وفاته قُمنا بتولي جميع أمور الشركة. فهل يجوز لنا أخذ ما أخذه عمي بدون علم الورثة؛ لأنهم هم الشركاء الآن؟ بارك الله فيكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد تحدث الفقهاء عما يُسمَّى بالظَّفَر، فأجاز بعضهم لمن انتُهب منه مال أو غصب منه وظَفِر من منتَهِبه أو غاصبه بما يستوفي منه حقَّه بدون علمه؛ سواء أكان من جنس ماله أم من غيره- أن يفعل ذلك ولا حرج. شريطة أمن العقوبة والفتنة، وأن يكون الحقُّ بيِّنًا لا خفاء فيه. وبعضهم قصَر الجوازَ على من ظَفِر بجنس ماله دون غيره.
وقد استدلَّ من قال بجواز أخذِ الحق من الجنس أو من غيره بأدلة نذكر منها:
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: 227].
وبما ثبَت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْـمَعْرُوفِ»([1]).
وبما في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر قال: قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا فما ترى فيه؟ فقال لنا: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَـمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَـهُمْ»([2]).
فإن كان هذا الحقُّ بينًا لا يَختلف فيه ولا يُختلف عليه، فهو يُشبه أن يكون دَيْنًا على الشركة، يجوز استيفاؤُه منها قبل القَسم بالشروط السابقة.
والذي اختاره لكم أن تُحلِّلوا عمكم رحمه الله من ذلك، وأن تتجاوزا عنه حسبةً لوجه الله تعالى، واستبقاءً لوشائج الرحم بين ذوي القربى، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60]. والله تعالى أعلى وأعلم.
([1]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «النفقات» باب «إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف» حديث (5364)، ومسلم في كتاب «الأقضية» باب «قضية هند» حديث (1714)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
([2]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه» حديث (6137)، ومسلم في كتاب «اللقطة» باب «الضيافة ونحوها» حديث (1727).