أنا شاب حصلت على شهادة الماجستير في الشئون المالية، والآن أُدَرِّس في الجامعة التونسية، وأتقن التدريس كأي أستاذ آخر، واستعملت الغشَّ أثناء إعدادي لأطروحة الماجستير غير متعمد؛ لأنني لم أجد معلومات ضرورية في تونس لإتمام الأطروحة، ثم حصلت على شهادة الدكتوراه بدون الغش، وأنا الآن أعمل في إحدى المؤسسات على أساس شهادة الثانوية العامة والتي لم أستعمل فيها الغش، وسأقدم استقالتي وأدرس في الجامعة، والتدريس في الجامعة يتطلب شهادة الماجستير على الأقل، فهل تنصحني أن أُدَرِّسَ في الجامعة أو أبقى في عملي في المؤسسة؟
1- هل الشهادة التي تحصلت عليها حلال أم حرام أم هناك شبهة حرام؟
2- هل الراتب الذي أتقاضاه حلال أم حرام أم هناك شبهة حرام؟ وهل أستطيع أن أحج بهذا الراتب وأبني مستقبلي به (الزواج, الأبناء…)؟
3- سألت الشيخ عبد الله المصلح وقال لي: إن الأتقى أن تسجل مرة أخرى في الماجستير، كيف تردون عليه في هذه الحالة؟ وهل أستطيع أن أنفق على الماجستير الثانية من الراتب الذي أتقاضاه؟
4- هل الإجابة ستتغير لو أني تعمدت استعمال الغش؟ يا شيخ خائف جدًّا من أكلي الحرام وأبكي ليلًا ونهارًا، وأفكر أحيانًا أن أخبر الكلية بأمر الغش في أطروحة الماجستير.
سأل أحدهم الشيخ عطية صقر هذا السؤال وقد أجاب بأن الذي تولى عملًا يحتاج إلى مؤهل يشهد بكفاءته، وقد نال الشهادة بالغش يحرُمُ عليه ما كسبه من وراء ذلك، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، وقد يصدُقُ عليه قول الله تعالى: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران: 188]. أريد أن أعرف معنى هذه الآية.
وإذا كان قد أدى عملًا فله أجرُ عملِهِ كجهد بذله أي عامل، وليس مرتبطًا بقيمة المؤهل، وهو ما يعرف بأجر المثل في الإجارة الفاسدة، وما وراء ذلك فهو حرام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن من ذكرت من أهل العلم شيوخ أجلاء، والعلم رحم بين أهله، ولهم منا كلُّ الثناء والدعاء.
ولكنني أرى أن ما ذكروه محمله الورعُ، وأنه بعد الاتفاق على حُرمَة الغش، وأنه جريمة شرعية مكتملة الأركان، إلا أن من حصل على شهادة بالغش، وكانت هذه الشهادة لا تؤثر على أدائه للوظيفة التي تقَدَّمَ لها، فكان يحسنها كأي موظف آخر فإن هذا لا يحرم هذه الوظيفة، ولا يجعل كسْبَها محرمًا، وإن كانت تؤثر فعليه أن يأخذ من الدورات التدريبية ما يَجبُر به هذا النقص، حتى يطيب له العمل في هذه الوظيفة، لا سيما مع ما علم من أن معظم أنظمة التعليم عندنا تحتاج إلى مراجعة، فليست كل المواد التعلمية بضرورية للتخرُّج، وتحصيل الكفاية للوظيفة التي يؤهَّلُ لها الدارس، بالإضافة إلى ما ذكرته من أنك قد حصلت بعد ذلك على شهادة الدكتوراه، فلا أرى حرجًا في التقدم إلى الجامعة للعمل بها، وعليك التوبة إلى الله من جريمة الغش، والإكثار من فعل الصالحات، فإن الحسنات يذهبن السيئات(1).
هذا ولم يعجبني قولك: «سألت الشيخ عبد الله المصلح وقال لي: إن الأتقى أن تسجِّلَ مرة أخرى في الماجستير. كيف تردون عليه». فإن مجمل كلامه الورع، وهو كلام جيد في هذا الباب، ونحن لا نردُّ عليه، إنما نتعلم منه، ونخرِّجُ له كلامه على أحسن محامِلِه، وما ينبغي لك أن تقابل بين كلام أهل العلم على هذا النحو. والله تعالى أعلى وأعلم.
———————————-
(1) قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114].