ســـــؤال:السلام عليكم ورحمة الله
في بـلاد الشـام بسـبب الحـرب سـرقـت كثيـر مـن الـبيوت وأثـاثهـا، يسـألنـى أحدا لأخوة الذين عادوا إلى بيوتهم فوجدوها مسروقة حتى الأبواب والشبابيك وكثير من أساسياتها.
وقد عرضت في الأسواق ، هل يجوز له أن يشتري منها شيء لإعادة تأهيل بيته للسكن الذي ليس له غيره مع العلم أن اسعارها أقل بكثير من لو أراد أن يشتري جديدة غيرها والحال غير ميسر مادياً شراء من غير المسروقة؟
أفيـدونـا بارك الله بكـم
الجـــــواب:
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحِيم
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول اللهﷺ،
وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـــد:
فنسأل الله أن يلطف بكم فيما جرت به مقاديره، وأن يرفع عنكم البلاء، وأن يحق الحق بكلماته وأن يبطل الباطل، وأن ينصر المستضعفين من المسلمين حيثما كانوا، وأن يرينا في أعدائه وأعدائهم عجائب قدرته 🤲
واعلم يا رعاك الله أن الأصل أنه لا يجوز شراء ما علم أنه مسروق ولا بيعه، وأنه لا يحل لأحدٍ أن يتملكه ولو بطريق مشروع كالشراء والهبة والميراث، محاصرة للجريمة ومنعًا للمجرم من الإنتفاع بآثار جريمته، وأن الواجب المتعين هو رده إلى صاحبه عند العلم والقدرة، وإلاصرف في المصالح العامة تصدقًا عن مالكه
فإذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة، أو مغصوبة ، أو أن مَن يعرضها لا يملكها ملكاً شرعيّاً ، وليس وكيلاً في بيعها: فإنه يحرم عليه أن يشتريها ؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي ؛ ولما في ذلك من ظلم الناس ، وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم ومن اشترى بضاعة وهو يعلم أنها مسروقة: أثِم، ومن تمام توبته إرجاع البضاعة لأصحابها، والرجوع بالثمن على من باعه إياها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض إن عرفه المسلم اجتنبه، فمن علمتُ أنه سرق مالاً، أو خانه في أمانته، أو غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق لم يجز لي أن آخذه منه، لا بطريق الهبة، ولا بطريق المعاوضة، ولا وفاء عن أجرة، ولا ثمن مبيع، ولا وفاء عن قرض، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم”انتهى. مجموع الفتاوى (29 / 323).
وقال أيضاً:
“وإن كان الذي معهم – أي: التتار – أو مع غيرهم أموال يعرف أنهم غصبوها من معصوم: فتلك لا يجوز اشتراؤها لمن يتملكها، لكن إذا اشتُريت على طريق الاستنقاذ لتصرف في مصارفها الشرعية فتعاد إلى أصحابها إن أمكن، وإلا صرفت في مصالح المسلمين جاز هذا” انتهى
هذا هو الأصل، ولكن عند اليأس من ردها إلى أصحابها لعموم الفساد، وشيوع القهر والظلم واستطالته، وعدم علم أهلها بأعيانهم، ومسيس الحاجة إليها لضيق ذات اليد عن شراء غيرها، فأرجو أن تكون هناك رخصة للمشتري ما دام لا يعرف لها مالكًا بعينه، على أن يتصدق بما استطاع من فرق الثمن نيابة عن أصحاب هذه الحقوق المغتصبة، وذلك لما يلي:
١•اضطرار المشتري ومسيس حاجته إلى الشراء بقيمة تناسب إمكاناته المادية المتاحة في ظل ظروف القهر والمحنة .
٢•أن الامتناع عن شرائها لا يعيد حقاً مغتصباً إلى أصحابه، بل قد سيستفيد بها آخرون ممن يشايعون هذا الباطل، ويصدقونه على كذبه ويعينوه على ظلمه.
٣•أن في هذا تعويضًا جزئيًا للمشترين إن كانوا ممن تعرضوا بدورهم لمثل هذه القهر، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق، أو صودر عليهم بعضها.
٤•أن في صدقته عن أصحاب هذه الحقوق تقليلاً للفساد وتعويضًا لهم في حدود الوسع والإطاقة لهم، وهذا هو الميسور وهو لا يسقط بالمعسور.
ثم يبقى الإثم والتبعة على البائع الذي يبيعها مع علمه بأنها مغصوبة أو مسروقة، والإثم الأكبر والأغلظ على الظالم الأصلي الذي أوقع بشعبه كل هذه المظالم، وأمطره بهذه الحمم من الكوارث والويلات، وويل له عندما يوقف على ربه!
هذا وباللهِ التوفيـق و الله أعـلىٰ وأعلـم