ثلاثة شركاء رئيسيين في شركة تمتلك مركزًا تجاريًّا ووحدات سكنية، والدي أحد الشركاء بنسبة ٣٠٪، ووكل إليَّ مباشرةَ نصيبه وإدارة الشركة مع الشريكين الآخرين، وهذان الشريكان لا يرون بأسًا في الأمور الآتية:
1 – بيع وحدة تجارية لبنك تجاري لا يتعامل بالمعاملات الإسلامية (وقد تم بالفعل رغمًا عني حيث لا نمتلك أغلبية).
2 – إيجار وحدة تجارية لمطعم أو مقهى يقدم الشيشة (مع العلم السابق بذلك؛ حيث يؤكد المستأجر على ذلك ويطلب مكانًا خارجيًّا).
٣- إيجار وحدة تجارية لمركز تجميل نسائي يكون من نشاطه الرئيسي وصل الشعر، مع العلم أن هذا المجتمع وعملاء هذا المركز الحالي لا يلتزم أغلبهم باللباس الشرعي للمرأة.
سبب موافقة الشريكين على ذلك هو أن المفتي السابق أفتى بحل البنوك، وبالتالي التعامل معها، وأننا أرسلنا أحد الأشخاص للجنة الفتوى بالأزهر وهاتفنا أحد العلماء هناك طلبًا لفتوى عن جواز إيجار مكان يقدم الشيشة فأجاز ذلك، وقال بأنه لا شيء علينا، وأنهم اتصلوا برقم دار الإفتاء للسؤال عن مشروعية الإيجار لمركز تجميل يقوم بالوصل، فأجاز ذلك أيضًا.
ويقولون لي بأن مرجعيتهم دار الإفتاء والأزهر، وأن مرجعيتي في رفض ذلك ليست على علم، وأنني متشددة بالرغم من تذكيري لهم بأن الرزق من الله، وأن كل إنسان سيستكمل رزقه، ولكن لا فائدة، فهم لهم الأغلبية ويصرون على ذلك، بل يقولون: «نحن لا نقبل بحرام ولكن عليك بإثبات أن هذا حرام». فما العمل؟ وهل عليَّ شيء إن بقيت في هذا العمل؟
مع العلم أننا عرضنا عليهم أن يشتروا نصيبنا فخفضوا السعر إلى أقل من النصف، وهم لا يملكون المال لتنفيذ الشراء، وعرضنا عليهم أن نقسم الوحدات وكلٌّ يأخذ نصيبه، ويديره كيف يشاء فرفضوا، وأراد والدي أن يلجأ للقضاء للفصل ولكنهم تعهدوا بأن يُدارَ المشروع بالتوافق حتى لا تهدم الشركة، ولكنهم ما زالوا على نفس الطريقة بالاعتماد على آرائهم هم، فما العمل؟
4 – أيضًا هم يقومون ببيع وحدات سكنية بأسعار منخفضة لمعارفهم ويدخلون في شراكات لا أرضاها مع نوادي تقدم أنشطة مثل الباليه وغيره، ولا أملك منعهم.
أليس لأبي حق في ماله الذي وكلني بإدارته أم لا؛ حيث إنها شركة ونحن أقلية فليس لنا ذلك؟ وكيف أقنعهم أن لأبي حقًّا في المال إن كان ذلك صحيحًا؟ وهل الأفضل أن أترك إدارة الشركة تمامًا أم أبقى في إدارتها حفاظًا على حقوق والدي ودرءًا للمفاسد ما استطعت؟
فقد نجحت قبل ذلك في منع بعض الإيجارات وأحاول إيجاد بدائل للأنشطة التي لا أرضاها وإن كنت لا أنجح غالبًا، ولكني مثلًا استطعت أن أمنعهم من الاقتراض بفائدة في وقت أرادوا ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على غيرتك على دينك، وحرصك على تحرِّي الحلال في المطعم، فإنه أيَّما لحم نبت من الحرام فالنار أولى به(1).
والأصل في المشاركة بين المسلمين أن الشركاء ملتزمون بإدارة أموالهم على وفاق الشرع المطهر، فإن تنازعوا في ذلك كان القضاء الشرعي- إن وُجِدَ- هو الحَكَم، فإن كان القضاء علمانيًّا فليس أمامهم إلا التوافق على تحكيم الشرع، أو التخارج، ويدير كل طرف حصته بما يُمليه عليه دينُه وضميره.
وأنا أعلم أن المنازعة ليست في مبدأ التحاكم إلى الشرع، ولكن في الجهة التي تمثل مرجعية مؤتمنة يثق الناس في فقهها ودينها، فالشركاء يحيلون إلى الأزهر، ومن يرجعون إليه في الأزهر أو دار الإفتاء في الوقت الراهن قد يتبنى الترخُّصَ الجافيَ في هذه المسائل، والأزهر المؤسسة والتاريخ بَرَاءٌ من ذلك، ومن ثَمَّ فلم يبْقَ إلا التوافق على جهة يحتكم إليها أو التخارج، وإذا كانت القوانين تجعل القرار في إدارة الشركة لمن يملك الأغلبية، فإنها تعطي الحق في التخارج، وعند التخارج توجد قواعد تمنع البخس والتطفيف.
ولا أرى انسحابك في هذه المرحلة الانتقالية من إدارة الشركة، فإن وجودك يُسْهم في تقليل المفاسد، ويمنع بعض التجاوزات، ومبنى الشريعة على تحقيق خير الخيرين ودفع شرِّ الشرين، والمفسدة إذا لم نستطع أن نُزيلها بالكلية أزلنا منها ما أمكن إزالته.
كما ينبغي عليكِ في هذه المرحلة تطهيرُ ما يخصُّك من الربح، بأن يتمَّ التَّخلصُ من جزء من الدخل يُساوي النسبة غير المشروعة منه، وذلك بتقديمه إلى بعض المصارف العامة، حتى يطيب لك الباقي بإذن الله، ثم يكون النظر بعد ذلك في التوافق أو التخارج. والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————
(1) فقد أخرج الطبراني في «الأوسط» (6/311) حديث (6495) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجابَ الدعوة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْـحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَـحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ». وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/350) وقال: «رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات، وقد حسَّن هذا الحديث أبو عمر النمري وغيره، وركبٌ قال البغوي: لا أدري سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وقال ابن منده: لا نعرف له صحبة. وذكر غيرهما أن له صحبة، ولا أعرف له غير هذا الحديث»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 291) وقال: «رواه الطبراني في الصغير وفيه من لم أعرفهم»، وذكره الألباني في «السلسلة الضعيفة» حديث (1812).