لعلكم تابعتم ما يجري على المشهد المصري من تداعيات خطيرة في ضوء المظاهرات التي عمت أرجاء البلاد، وكان من جراء ذلك الانفلات الأمني، وتعرُّض كثير من المواقع للسلب والنهب، وقد نشط الأشقياء والخارجون على القانون واستطاعوا أن يحصلوا على بعض الأسلحة عن طريق النهب والسرقة.
فهل يجوز لنا شراؤها منهم لمنع استعمالها في عمليات السطو، أو لمنع بيعها إلى من يستعملها في ذلك، أو للدفاع بها عن الممتلكات العامة والخاصة عند الضرورة ثم تُسلَّم إلى أجهزة الأمن بعد ذلك؟ وهل يجوز في هذه الحالة الدخول إلى المسجد بالسلاح؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن مبنى الشريعة كما لا يخفى على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ومهما أمكن نزع السلاح من هؤلاء الأشقياء الذين يُمثِّل وجود السلاح بأيديهم خطرًا، لاسيما في ظل هذه الظروف، سواء أكان ذلك بشراء أم بغيره، فلا ينبغي أن يقصر في ذلك، مع ملاحظة أن حيازة هذا السلاح في هذه الظروف هو حيازة ضرورة، ولا يستعمل إلا في مواجهة أمثال هؤلاء الأشقياء الذين يسعون في الأرض فسادًا، ثم يُرَدُّ إلى الجهات الأمنية فور زوال حالة الضرورة، ومع التنبه إلى ضرورة ألا يشكل حيازة هذا السلاح عبئًا أمنيًّا في دولة تُجرِّم قوانينها حيازة الأسلحة، ولا تأمن في هذه الأجواء الكارثية أن يكون هناك من يُيسِّر حصولك على السلاح لكي يدينك بحيازته، ويتهمك باستعماله في الخروج المسلح على النظام والسلطة.
ولا حرج في حالات الاضطرار وأوقات الفتن في الدخول إلى المسجد بالسلاح، ومن اضطرَّ إلى ذلك فينبغي أن يكون سلاحه مغمدًا حتى لا يحصل الأذى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِـهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْـمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ»(1).
ونسأل الله أن يصرف عنا وعنكم السوء، وأن يُجنِّبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يمُدَّنا وإياكم بمدد من عنده، وأن يجعل دفعكم للصائل وحراستكم للمرافق العامة والخاصة سبيلًا قاصدًا إلى مغفرته ورضوانه.
ونذكركم بحديث: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله»(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الفتن» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم : من حمل علينا السلاح فليس منا» حديث (7075)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها» حديث (2615)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب «فضائل الجهاد» باب «ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله» حديث (1639) من حديث ابن عباس ب، وقال الترمذي: «حديث ابن عباس حديث حسن غريب».