كنت أمتلك عدة من كروت الائتمان وقروض لشراء بيت بأمريكا ولم أدفعها، وأعلنت تفليسة قانونية هنا في أمريكا، واستعاد البنك بيته ولم أدفع كروت الائتمان، وقد تراكمت وأصبحت مبلغًا ضخمًا جدًّا بعد زيادة الفوائد عليه.
بعد ذلك تبت وحججت بيت الله، وأريد أن أعرف: هل عليَّ أن أعيد هذه المبالغ؟ مع العلم بأن بعضها يستحيل، لعدم توفر المعلومات، وبعضها يصعب جدًّا لكبر المبلغ وعدم مقدرتي على دفعه مرة واحدة، إلا أن أكون معدمًا تمامًا.
وأنا أسرتي كبيرة حاليًّا، فما العمل من الناحية القانونية؟ وهل عليَّ أي شيء؛ لأن التفليسة القانونية قد سوى الأمر كله، ومع كل الجهات.
الأموال التي أخذتها من أشخاص بعينهم حاولت استرجاعها كلها على حسب علمي، أما المال العام أو ما يُعرف بكروت الائتمان هل عليَّ أن أُعيدها، أم أنها من نزغات الشيطان التي تقول لي إن توبتي غير كافية؟ أم أن التوبة تجبُّ وتمسح ما قبلها وعلى ألا أعمل ذلك العمل مرة أخرى؟ هل يكفي استخراج قيم تقديرية لذلك الغرض إذا استحال معرفة القيمة الحقيقية؟ وهل يمكن دفعها لجهات أخرى إذا تسبب دفعها لنفس الجهات الأصلية في إثارة كثير من الأسئلة أو المشاكل والشكوك؟ لأن هنا في أمريكا إذا أعلنت تفليسة قانونية وقبلت منك بأمر المحكمة فلا أحد يتصل بالدائنين مرة أخرى ويحاول أن يدفع لهم المبالغ أو جزءًا منها. وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن من تمام توبتك رد المظالم؛ فإن من الدواوين التي لا يتركها الله أبدًا حقوق العباد فيما بينهم، القصاص لا محالة(1).
والأموال الخاصة يلزم ردها قولًا واحدًا؛ فإن عجزت تصدقت بها نيابة عن أصحابها، ثم يُفوَّض الأمر في ذلك إلى الله عز وجل، أما الأموال العامة كأموال الكروت الائتمانية، فإن كُنْتَ لم تُعلِن التفليسة تحيُّلًا على الفرار منها، أو سعيًا إلى إسقاطها عمدًا بغير مُسوِّغٍ فأرجو أن تكون قد سقطت عنك تبعتها؛ لأنك قد اقترضتها على هذا الأساس، وهو أنه عند العجز وإعلان التفليسة تسقط عنك هذه الديون وتتحملها جهات أخرى.
ولكن نُوصيك بكثرة التصدق لتدخر لنفسك عند ربك رصيدًا من الخير ينفعك في يوم فقرك، واجتهد في فعل الخيرات بصفة عامة؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (6/240) حديث (26073)، والحاكم في «مستدركه» (4/619) حديث (8717)، من حديث عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: «الدَّوَاوِينُ عِنْدَ الله عز وجل ثَلَاثَةٌ: دِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ الله مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ. فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ فَالشِّرْكُ بِالله قَالَ اللهُ أنه من يشرك باالله فقد حرم عليه الجنه، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا فَإِنَّ اللهَ عز وجل يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
(2) قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114].