رجل قتل نفسًا ونهب أموالًا واغتصب أعراضًا ثم أسلم، هل يطالب بأن يسلم نفسه للقصاص؟ هل يعيد المال إلى أصحابه؟ أخوكم، جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد قال تعالى: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38]، والإسلام يجب ما قبله.
ولكن هذا فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل، أما حقوق العباد فيجب عليه إرجاعها أو التحلل من أصحابها إجماعًا ولا ينفعه في ذلك كونه كان كافرًا ثم أسلم، وقد اتفقت على هذا فيما نعلم المذاهب المتبوعة.
قال ابن نجيم في «الأشباه والنظائر» وهو حنفي: «الإسلام يجبُّ ما قبله من حقوق الله دون حقوق الآدميين كالقصاص وضمان الأموال»(1).
وقال المناوي في «فيض القدير»: «الإسلام يجبُّ ما قبله لكن الكلام في خطيئة متعلقة بحق الله من العقوبات، أما الحق المالي نحو كفارة ظهار ويمين وقتل فإنه لا يسقط»(2).
وقال أيضًا: «الإسلام يجبُّ- أي يهدم- ما كان قبله من كفر وعصيان وما يترتب عليهما من حقوق الله، أما حقوق عباده فلا تسقط إجماعًا ولو كان المسلم ذمِّيًّا والحق ماليًّا»(3).
وقال السيوطي في «الأشباه والنظائر» وهو شافعي: «الإسلام يجب ما قبله في حقوق الله دون ما تعلق به حق آدمي؛ كالقصاص وضمان المال، ويستثنى من حقوق الله صور»(4).
وقال ابن قدامة وهو حنبلي: «ومن أصاب حدًّا ثم ارتدَّ ثم أسلم أقيم عليه حدُّه وبهذا قال الشافعي. وقال قتادة في مسلم أحدث حدثًا ثم لحق بالروم ثم قُدر عليه: إن كان ارتد درئ عنه الحد وإن لم يكن ارتد أقيم عليه، ونحو هذا قال أبو حنيفة والثوري، إلا حقوق الناس لأن ردته أحبطت عمله فأسقطت ما عليه من حقوق الله تعالى، كمن فعل ذلك حالَ شركه ولأن الإسلام يجب ما قبله، ولنا أنه حقٌّ عليه فلم يسقط بردته كحقوق الآدميين. قال القاضي: ما أصاب في ردته من نفس أو مال أو جرح فعليه ضمانه»(5).
وبهذا ثبت أن الإسلام يجبُّ ما كان قبله من حقوق تتعلق بالله عز وجل، أما حقوق العباد فلابد من إرجاعها، أو التحلل من أصحابها. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) «غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر» (3/402-403).
(2) «فيض القدير» (1/280).
(3) «فيض القدير» (3/179).
(4) «الأشباه والنظائر» (1/255).
(5) «المغني» (9/27-28).