فضيلة الشيخ، تتردَّد كثير من الشبهات التي تُفسد الدين، وعلى هذا عندي أسئلة أتمنى الجواب عليها بتفصيل قدرَ الإمكان حتى ننشرها في المنتديات:
الشبهة الأولى:
هل للخلق حقوق على ربهم أم لا توجد لهم حقوق أبدًا وله سبحانه أن يفعل بهم ما يشاء باعتباره مالكهم، وبالتالي ما يصيب البهائم وغير المكلفين من الأقدار المؤلمة إنما هو لحِكمَة وليس لهم حق على ربهم بحفظهم من الشُّرُور، فإن لم يحفظهم فبِعَدله، وإن حفظهم فبفضله؛ لأنه ليس لهم حق على ربهم أصلًا إلا ما نصَّ الشارع عليه، وهو أن من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا فلن يعذبه يوم القيامة؟
الشبهة الثانية:
هل الأقدار المؤلمة والشرور تُنسب إلى الله باعتباره خالقها ومقدِّرها، كتقدير افتراس الأسد الغزال، أم نقول: إن الشر والافتراس غير مرضٍ لله ولكن الله شاءه لحكمة وسيحقق العدالة الكاملة يوم القيامة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فليس للناس على الله حقٌّ إلا ما أحقَّه الله على نفسه، وقد أحق الله على نفسه لعباده حقوقًا كثيرة، منها:
حق النصرة للمؤمنين، كما قال تعالى:﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47].
ومنها ألا يعذب من لم يشرك به شيئًا؛ فقد ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه وهو رديفه: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى عِبَادِهِ؟ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى الله؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: «فإنَّ حَقَّ الله عَلَى العِبَادِ أنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى الله ألَّا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيئًا». فقلتُ: يَا رَسُول الله، أفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا»(1). فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه مستحقٌّ على الله شيئًا، كما يكون للمخلوق على المخلوق؛ فإن الله هو الـمُنعم على العباد بكل خير.
ومنها أن من حفظ الله منهم حفظَه ووجده تجاهه(2).
ومنها ألا يظلم أحدًا منهم مثقالَ ذرَّة، كما جاء في الحديث القدسي: «يَا عِبَادي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّمًا فَلا تَظَّالَـمُوا»(3).
والأقدار المؤلمة تُنسب إلى الله باعتبار خلقِها وتقديرها، فالله خالق كل شيء، وهي من هذه الجهة- أي من جهة خلقها وتقديرها- خيرٌ، فإن الخيرَ بيديه والشرَّ ليس إليه(4)، فما خلقها إلا لحكمة ولمصلحة راجحة تبينت لمن تبين له وذهل عنها من ذهل.
وسوف تتحقق العدالة الكاملة بين يديه، يوم يبعثون إليه فينبئهم بما عملوا ثم يوفيهم إياه، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد سوى ذلك فلا يلومن إلا نفسه. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجهاد والسير» باب «اسم الفرس والحمار» حديث (2856)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة» حديث (30).
(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (1/ 293) حديث (2669)، والترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة أواني الحوض» حديث (2516)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (5302).
(3) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصله والآداب» باب «تحريم الظلم» حديث (4674) من حديث أبي ذر رضي الله عنه .
(4) سبق تخريجه وقيامه» حديث (771).