بين بيع الأعضاء البشرية والتبرع بها

أودُّ السؤال من حضرتكم حول مسألتين بخصوص زراعة الأعضاء كالآتي: هل يجوز بيع الأعضاء من أجل زراعتها للآخرين مقابلَ مبلغٍ ماليٍّ أو هبةٍ أو عطيةٍ أو غيرها؟ هل يجوز زراعة أعضاء المحكوم عليه بالإعدام، تبرعًا أو مقابل مبلغ مالي أو هبة أو عطية أو غيرها؟
أرجو من حضرتكم التفصيل في الحكم الشرعي حول المسألتين. بوركتم وأسبغ الله عليكم النعم والخيرات.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن التبرع بالأعضاء مشروعٌ، إلا إذا كان التبرُّع بعضوٍ تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حيٍّ إلى إنسان آخر، أو أدى إلى تضرُّر المتبرع تضررًا يؤدي إلى زوال وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامةُ أصل الحياة عليها: كنقل قَرَنيَّة العين كلتيهما، أو كان التبرع بالأعضاء التناسلية لكونها تحمِلُ البصمة الوراثية للمتبرع فلا يجوز التبرع بمثل ذلك.
ويشترط أن يغلب على الظن انتفاعُ المتبرع له بذلك لاستبقاء أصلِ الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم: كالبصر ونحوه، على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعًا.
ولا يجوز جعلُ الأعضاء البشرية مادةً لبيعٍ أو شراء؛ لأن أجزاء الآدمي محترمةٌ، فلا يجوز جَعلُها سلعةً تباع وتشترى.
وإذا بُذل شيءٌ للمتبرع على سبيل الهبة بغير اشتراطٍ فأرجو أن لا حرج.
وقد صدر قرارُ مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمرِه الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية، من 18-23 صفر 1408هـ الموافق 6-11 شباط (فبراير) 1988م؛ بخصوص موضوع انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًّا أو ميتًا. وقرر ما يلي:
((من حيث التعريف والتقسيم:
أولًا: يقصد هنا بالعضو، أي: جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقَرَنيَّة العين، سواء أكان متصلًا به، أم انفصل عنه.
ثانيًا: الانتفاع الذي هو محلُّ البحث، هو استفادة دعَت إليها ضرورةُ المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم: كالبصر ونحوه، على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعًا.
ثالثًا: تنقسم صورُ الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1- نقل العضو من حيٍّ.
2- نقل العضو من ميت.
3- النقل من الأجنَّة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
– نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
– نقل العضو من جسم إنسان حيٍّ إلى جسم إنسان آخر، وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه:
أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فرديًّا، وقد يكون غيرَ فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها.
ومنه ما يتجدَّد تلقائيًّا كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطُّل جميع وظائفه تعطلًا نهائيًّا لا رجعة فيه طبيًّا.
الحالة الثانية: توقُّف القلب والتنفس توقفًا تامًّا لا رجعة فيه طبيًّا، فقد روعي في كلتي الحالتين قرارُ المجمع في دورته الثالثة.
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنَّة، وتتمُّ الاستفادة منها في ثلاث حالات:
1- حالة الأجنَّة التي تسقط تلقائيًّا.
2- حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبيٍّ أو جنائيٍّ.
3- حالة اللقائح المستنبتة خارجَ الرحم.
من حيث الأحكام الشرعية:
أولًا: يجوز نقلُ العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمِه، مع مراعاة التأكُّد من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية أرجحُ من الضَّرَر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجادِ عضوٍ مفقود، أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيبٍ، أو إزالة دمامةٍ تسبب للشخص أذًى نفسيًّا أو عضويًّا.
ثانيًا: يجوز نقلُ العضو من جسم إنسانٍ إلى جسم إنسانٍ آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًّا، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراطُ كون الباذل كاملَ الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثًا: تجوز الاستفادة من جزءٍ من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلَّة مَرَضِيَّة لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعًا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حيٍّ إلى إنسان آخر.
خامسًا: يحرم نقل عضو من إنسان حيٍّ يعطل زواله وظيفةً أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامةُ أصل الحياة عليها: كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقلُ يعطل جزءًا من وظيفة أساسية، فهو محلُّ بحثٍ ونظرٍ كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادسًا: يجوز نقلُ عضو من ميتٍ إلى حيٍّ تتوقف حياتُه على ذلك العضو، أو تتوقف سلامةُ وظيفةٍ أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت قبلَ موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة وليِّ أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهولَ الهوية أو لا ورثة له.
سابعًا: وينبغي ملاحظة: أنَّ الاتفاقَ على جواز نقلِ العضو في الحالات التي تَمَّ بيانُها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيعِ العضو؛ إذ لا يجوز إخضاعُ أعضاء الإنسان للبيع بحالٍّ ما.
أما بذلُ المال من المستفيد، ابتغاءَ الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر)). والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 07 أكتوبر, 2025
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend