أوَّلًا: ما حكم بيع العدسات اللاصقة الملونة؟ وهل يجب سؤال كلِّ امرأةٍ تشتري منك هل سَتَخرُج بها في الشارع أم لا؟ وهل يجب الاشتراطُ على الأطباء في عياداتهم عدمَ بيعها للمرضى النساء إلا بعد سؤالِهم السؤالَ المتقدم؟ ثم هل يلحق حكمُ المسألة بكلِّ شيءٍ محتمل استعماله في الحِلِّ والحرمة، كبيع التلفاز والدش والكمبيوتر والجوال والملابس الحريمي والمكياج والعطور الحريمي والعنب والتمر والتفاح، حيث يُمكن أن يُتَّخذ خمرًا؟
نرجو من سيادتكم توضيحَ الأدلة والتخريج الفقهي واختلاف المذاهب في ذلك إن كان هناك خلافٌ.
ثانيًا بارك اللهُ فيكم: أعمل عند رجلٍ في بيع المستلزمات الطبية الخاصة بجراحات العيون، فهو يبيع مستلزمات العمليات فقط كالمشارط والخيوط وما أشبهه، فهل يجوز لي المتاجرة في العدسات اللاصقة لحسابي الشخصي خارج نطاق العمل مع هذا الرجل، علمًا بأني سأستفيد من خبراتي التي استفدتها معه وسأبيع لنفس العملاء؟
وللتوضيح فمجال التجارة فيما يخصُّ العيون فيه عدة مجالات منفصلة عن بعضها قد تقوم بالجمع بينها أو بين بعضها بعضُ الشركات، وقد تتخصَّص في مجال مُعيَّن من هذه المجالات، مثلًا مجال العدسات اللاصقة، مجال النظارات، مجال مستلزمات العمليات، مجال الأدوية، مجال الأجهزة الطبية الخاصة بتجهيز أقسام العيون في المستشفيات والعيادات.
الرجاء من سعادتكم شرح الأمور بشيءٍ من التفصيل، ولكم جزيلُ الشكر، وجزاكم الله خيرَ الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا يلزم عند بيع العدسات اللاصقة أن تسأل فيم تُستخدم وأن تضع قيدًا على من يشتريها أو من يُتاجر فيها، فإن هذا من الحرج الذي رفعه اللهُ تعالى في التكليف، والمرء أمينٌ على دَينه، و﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]، فضلًا عن أن زِينة العين بالكحل ونحوه تدخل عند جماهير أهل العلم في الاستثناء الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]، فإنهم يحملون الاستثناءَ على أن المراد به زينة الوجه والكفين، لا يُستثنى من ذلك عندهم إلا المرأة الـمُبرَّزة في الحُسْن، فهذه التي يلزمها إخفاءُ هذه الزِّينة الظاهرة بستر وجهها بنقابٍ ونحوه.
وقُلْ مِثلَ ذلك في الأشياء الحياديَّة التي تُستخدم في الخير تارةً وفي الشر تارةً أخرى، اللهم إلا إذا كان الغالبُ على استخدامها هو الشرَّ، اعتبارًا لما حُفَّ بها من قرائن، فهنا تكون العبرةُ لما غلب؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
والأصل هو حرية التِّجارة، لا قيد عليك في ذلك إلا بما قيَّدك به الشارع من النَّهي عن الاتِّجار في الـمُحرَّمات أو الدخول في العقود الفاسدة ونحوه، أو ما تقيَّدت به في عقدٍ من العقود ودخلت فيه بمحض اختيارك، سواءٌ أكان ذلك مشروطًا شرطًا أم كان معروفًا عرفًا، فإن كان صاحب العمل قد اشترط عليك ألا تُضاربه في تجارته وألا تُزاحمه في مجاله فلا ينبغي لك مخالفةُ ذلك، فالمسألة يُرجع فيها إلى شروط التَّعاقد وإلى عُرْف التُّجَّار. إلا إذا كان هذا الشرط جائرًا ويُوقع عليك من المضار ما لا قِبَلَ لك به، وكان قبُولك به تحت وطأة الحاجة إلى العمل، فيكون القضاء في هذه الحالة هو الحكم. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.