السيد الكريم دكتور الصاوي، قد كنت بعثت بنسخة من السُّؤال إلى دار الإفتاء المصرية، وقد ردوا عليَّ بفتوى تُجيز العمل بهذه الصُّورة. وهذا نصُّ ردِّ السُّؤال، ونصُّ الفتوى تحت رقم (342636 ): البورصة وما يتعلَّق بها.
السُّؤال: السادة أعضاء المجلس الأفاضل، أحييكم، إنني أشكر لكم اهتمامكم وحرصكم الدائم وردَّكم السريع، إلا أنني لم أستطع أن أستوضح الأمر بشأن الكيفيَّة، فقد كتبتم لي في ردِّكم الكريم أن أقوم بتوكيل الشَّركة بالقبض بدلًا عنِّي في السُّوق.
في الواقع هي شركة وساطة، أي أنها تتعامل بهذا الشَّكل فقط ما بين البائع والمشتري في السُّوق. والمثال التالي يُوضح طريقة البيع والشراء الـمُتَّبعة في السُّوق:
لكلِّ نوع من السِّلع سوقها الخاص بها، يتمُّ المتاجرة بالسلع بنظام الهامش، وذلك بأن تختار سلعةً تتصوَّر أن سعرها سيرتفع في المستقبل القريب، فتقوم بشرائها لتبيعها بعد أن يرتفع سعرها فعلًا وتحتفظ بالرِّبح كاملًا لك.
تباع هذه السِّلَع على شكل وِحْداتٍ ثابتة، لكلِّ سلعة وحدةٌ خاصَّة بها، فمثلًا وحدة النِّفط تُعادل 1000 برميل من النِّفط الخام، فعندما تشتري 1000 برميل من النِّفط الخام بسعرٍ ما على أمل أن تبيعه لاحقًا بسعرٍ أعلى ستقوم بدفع نسبةٍ ضئيلة من ثمن هذه الكمِّيَّة من النِّفط الخام كهامش مستخدم ليتمَّ حجزُه باسمك تمامًا.
ستقوم بعدها وبعد أن أصبح هناك 1000 برميل من النِّفط الخام محجوزة باسمك، ستقوم بمتابعة أسعار النِّفط الخام في البورصة الدَّوْليَّة الخاصَّة بالنِّفط الخام، فعندما تجد أن سعره أصبح مرتفعًا ستأمر الشَّركة التي تتعامل معها بأن تبيع الكمِّيَّة التي باسمك بالسِّعر الحالي، ستقوم الشَّركة بتنفيذ الأمر وستخصم قيمة 1000 برميل نفط خام وتُضيفه لحسابك الباقي كربحٍ بعد أن تُعيد لك الهامش المستخدم.
أما إن أصبحَتِ الأسعارُ منخفضةً أكثر من السِّعر الذي اشتريت به 1000 برميل من النِّفط، معنى ذلك قد تأمر الشَّركة ببيع المحجوز باسمك بالسِّعر المنخفض حيث سيتمُّ تعويض فارق السِّعر من الخصم من حسابك الموجود لديها.
طبعًا سيكون لك الحرية بالانتظار لعلَّ السِّعرَ يعود للارتفاع، على ألا يزيد الفارق ما بين سعر شرائك الكمِّيَّة وسعرها الحالي عن المبلغ الموجود في الهامش المتاح لديك كما ذكرنا، والسَّبب الذي قد يدفعك للبيع بخسارة هو الخوف من المزيد من الانخفاض في السِّعر، وبالتَّالي الخوف من توسيع الخسارة.
ينطبق على النِّفط والغاز ما ينطبق على غيرة من السِّلَع، وإن كان لكلِّ سلعة بورصتها الخاصَّة، فهناك بورصة للذَّهب، وهناك بورصة للحديد… إلخ.
تختلف المؤثِّرات التي تؤثر على سعر كلِّ سلعة على حِدَةٍ، فمثلًا يتأثَّر سعر النِّفط الخام بالتَّغيُّرات السِّياسيَّة في مناطق الإنتاج، وبالسِّياسة الدَّوْليَّة.
أما سعر القمح مثلًا فيتأثَّر على حَسَب الظُّروف الـمُناخِيَّة وإمكانات الإنتاج في الدول الرَّئيسيَّة المُصدِّرة للقمح، وهكذا. فكيف لي أن أوكِّلَها في هذا الشأن؟
أرجو التَّوضيح بشكل وافٍ، وإن كان هناك أيُّ بدائل شرعيَّة ممكنة، أرجوكم؛ فالأمر جدُّ مهمٍّ وحسَّاس، وتوخِّي الحرمة في الله أهم.
لذلك أتمنَّى من حضراتكم الكريمة موافاتي بالتَّفاصيل والبدائل الممكنة؛ كي يتسنَّى لي الاختيار بينها من النَّاحية الفنِّيَّة والعمليَّة المشروعة.
وأيضًا حتى بالنِّسبة للشَّركات، لعلني أستطيع إقناعهم بإحدى هذه البدائل أو هذه الوسائل أو الخيارات، ويستفيد منها الطرفان، وتكون أقرب للإقناع، خاصَّة للشركات الأجنبيَّة العالميَّة؛ لأن موضوع المادَّة وكما هو معروف تأتي عند هذه الشَّركات على رأس القائمة، وأنا عندي رضا الله في المقام الأول؛ لذلك أطلب من حضرات مجلسكم الموقر مراعاة ما سبق ذِكْره وموافاتي بالتَّفاصيل لكلِّ خيارٍ أو بديل ممكن، بما يُرضي الله جلَّ وعلا.
وجزاكم اللهُ خيرًا، وجعله في ميزان حسناتكم. وفَّقكم الله. الـجـــواب أمانة.
الفتوى:
«لا حرج في تلك المعاملات بهذه الصُّورة. انتهى».
فإني أرجوكم توضيح الأمر بأسرع ما يمكن، مع أطيب تحياتي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلم نُشِر في جوابنا لك أن تقوم بتوكيل الشَّركة بالقبض بدلًا عنك في السُّوق! ولا أدري مِن أين جئتَ بهذه العبارة؟!
ولكن ذكرنا لك أن هذا النَّوع من البيع، وهو من جنس ما يُسمَّى بالمُشتقَّات الماليَّة، كان من بين أسباب الأزمة الماليَّة العالميَّة، التي لا يزال العالم يتجرَّع غُصَصَها حتى هذا اللَّحظات.
ومكمن الخلل في هذه البياعات أن هذه الشَّركات التي تبيع لك بالهامش وتُقرضك فَرْق الثَّمَن الذي لم تتمكَّن من دفعه تُقرضه لك بالفائدة الرِّبَوِيَّة، والقرض الرِّبَوي مُحرَّم بالإجماع، فإن كانت السِّلعة المبيعة ذهبًا مثلًا فإنه يُشترط للتبايع في سوق الذهب التَّقابض، وهو ما لا يتمُّ في الصُّورة المذكورة.
وعلى هذا فننصحك أن يكون بيعُك وشراؤك في حدود ممتلكاتك، ومن أراد أن يدخل معك فإنه يدخل معك شريكًا وليس مُقرضًا، يتحمَّل في المغارم والمغانم، فهذه صفة الاستثمار المشروعة.
هذا الذي ذكرناه لك، ننصحك بالابتعاد عن هذه المعاملات، إن لم يكن من قبيل اجتناب الحرام فعلى الأقل من قبيل اجتناب المشتبهات(1).
ومرَّةً أخرى نقول لك: زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، وأخذ بناصيتك إلى ما يُحِبُّه ويرضاه، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) متفق عليه.