العمل في شركة تبيع لحم الخنزير كطعام للكلاب والقطط

لي قريبة أرسلت إليك منذ فترة تستفتيك، وكان سؤالها كما يلي:
الحمد لله ابني حريص على الكسب الحلال، نحن نعيش في كندا، ابني تخرج في كلية التجارة، والحمد لله وجدَ عملًا في شركة تسويق وتصنيع أطعمة للكلاب والقطط، يعمل بالمركز الرئيسي لتسويق المنتجات، بعض الأطعمة والمنتجات تحتوي على مكونات من لحوم الخنزير. هل يحل له ذلك العمل؟
وكانت إجابتك كالتالي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد تمهَّد عند أهل العلم أنه يجوز إطعام الميتة للحيوانات التي لا تؤكَل كالكلاب والقطط، قال النووي في «المجموع»: «ويجوز إطعامُ الميتة للكلاب والطيور، وإطعام الطعام المتنجس للدواب». انتهى مختصرًا(1).
ويدخل في ذلك لحم الخنزير، فإنه ميتة على كلِّ حال، سواء ذبح أو لم يذبح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «يباح إطفاء الحريق بالخمرِ، وإطعامُ الميتة للبُزَاةِ(2) والصقور, وإلباس الدابة للثوب النَّجس، وكذلك الاستصباحُ بالدُّهن النجس في أشهر قولي العلماء، وهو أشهر الروايتين عن أحمد، وهذا لأن استعمالَ الخبائث فيها يجري مجرى الإتلاف ليس فيه ضرر». انتهى(3).
فالذي يظهر لي أنه لا حرج في قيام المرأة بهذا العمل، لاسيما مع مسيس حاجتها إليه. والله تعالى أعلى وأعلم.
فأنا أفهم من فتواك، جزاك الله خيرًا، أنه يحلُّ إطعام هذه المحرمات للحيوانات، ولكني أفهم أيضًا أن قريبتي تسأل عن عمل ابنها في شركة تبيع هذه المحرمات طعامًا للحيوانات، وليس عن جواز إطعامها للحيوانات من عدمه.
وقد بلغني ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن اللهُ اليهودَ حُرِمت عليهم الشحومُ فباعوها وأكلوا أثْمانَها، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ إذا حَرَّمَ أكلَ شيءٍ حَرَّمَ ثَمَنَه». فهل من توضيح؟ جزاك الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما ذكرناه في الفتوى السابقة كان ترجيحًا لجواز الانتفاع بالميتة وغيرها من المحرمات في إطعام الحيوانات التي لا تُؤكل كالكلاب والقطط ونحوه، أو في أوجه الانتفاع الأخرى غير الاستخدام الآدمي.
وسؤالك هذه المرة حول بيعها وأكل ثمنها فهذا الذي يمتهد القول بعدم جوازه لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح، وهو بمكة: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْـخَمْرِ وَالْـمَيْتَةِ وَالْـخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ». فقيل: يا رسول الله، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْـمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْـجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فقال: «لَا، هُوَ حَرَامٌ». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللهَ لَـمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»(4).
وقد اختلف أهل العلم على ما يعود إليه الضمير «هو» في قوله صلى الله عليه وسلم «لا، هو حرام»، فذهب بعضهم إلى أن الحرامَ هو الانتفاعُ. وذهب آخرون إلى أن الحرام هو البيعُ. وهو الأرجح لما تمهد في اللغة من عود الضمير إلى أقرب مذكور، وهو اختيار الصنعاني والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
قال الصنعاني في «سبل السلام»: «والضمير في قوله (هو حرام) يحتمل أنه للبيع، أي: بيع الشحوم حرامٌ، وهذا هو الأظهر؛ لأن الكلام مسوق له؛ ولأنه قد أخرج الحديث أحمد وفيه (فما ترى في بيع شحوم الميتة…) الحديث، ويحتمل أنه للانتفاع المدلول عليه بقوله: (فإنها تطلى بها السفن…) إلى آخره. وحمله الأكثر عليه، فقالوا: لا ينتفع من الميتة بشيء إلا بجلدها إذا دُبغ.
ومن قال: الضمير يعود إلى البيع استدلَّ بالإجماع على جواز إطعامِ الميتةِ الكلابَ ولو كانت كلابَ الصيد لمن ينتفع بها، وقد عرفت أن الأقرب عودُ الضمير إلى البيع فيجوزُ الانتفاع بالنجس مطلقًا ويحرم بيعه لما عرفت، وقد يزيده قوةً قولُه في ذم اليهود: (إنهم جملوا الشحم ثم باعوه وأكلوا ثمنه). فإنه ظاهر في توجُّه النهي إلى البيع الذي ترتب عليه أكلُ الثمن، وإذا كان التحريمُ للبيع جاز الانتفاعُ بشحوم الميتة والأدهان المتنجسة في كل شيء غير أكل الآدمي ودهن بدنه، أي: لا يجوز للآدمي أكلُ شحوم الميتة والادِّهَانُ بالأَدْهان المتنجسة، فيحرمان كحُرمة أكل الميتة والترطُّب بالنجاسة، وجاز إطعامُ شحومِ الميتة الكلابَ وإطعامُ العسل المتنجس النحلَ وإطعامُه الدوابَّ، وجوَّز جميع ذلك مذهب الشافعي، ونقله القاضي عياض عن مالك وأكثر أصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والليث.… وفي الحديث دليل على أنه إذا حرُم بيعُ شيءٍ حرُم ثمنُه، وأن كلَّ حِيلةٍ يُتوصل بها إلى تحليل محرَّم فهي باطلة»(5).
وقال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»: «وهذا القول هو الصحيح: أن الضمير في قوله: (هو حرام) يعود على البيع حتى مع هذه الانتفاعات التي عدَّدها الصحابة رضي الله عنهم، وذلك لأن المقام عن الحديث في البيع.
وقيل: هو حرام، يعني الانتفاعَ بها في هذه الوجوه، فلا يجوز أن تُطلى بها السفن، ولا أن تُدهن بها الجلود، ولا أن يستصبح بها الناس، ولكن هذا القول ضعيف.
والصحيح: أنه يجوز أن تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس»(6).
والخلاصة أنَّ حكم الانتفاع يختلف عن حكم البيع، فالراجح في الأول الجواز، وفي الثاني المنع. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________________
(1) «المجموع» (4/388).
(2) جمع بازي: جنس من الصقور. «المعجم الوسيط» (بزا).
(3) «الفتاوى الكبرى» (2/421).
(4) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «بيع الميتة والأصنام» حديث (2236)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» حديث (1581).
(5) «سبل السلام» (2/3-5).
(6) «الشرح الممتع» (8/136).

تاريخ النشر : 27 أغسطس, 2024
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 10 الوظائف والأعمال

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend