الشراء من محلات (كوسكو = costco) المنتشرة في كندا

سماحة شيخنا الجليل الدكتور/ صلاح الصاوي حفظه الله:
هذا استفتاء من جماعة المصلين في أحد مساجد مونتريال؛ حيث كثرُ النقاش حول مسألة الشراء من محلات (كوسكو = costco) والمنتشرة هنا في كندا، وهي عبارة عن سلسلة محلات كبيرة تتميز بانخفاض أسعارها في بعض السلع، لكنها لا تتيح الشراء منها، بل ولا حتى مجرَّد دخولها لعامة الناس، وإنما يقتصر ذلك فقط على المشتركين بها، وبإمكان أي شخص أو مؤسسة أن تشترك بها، في مقابل قيمة مالية، تقدر بـ(50$ دولارًا) قيمة الاشتراك السنوي للبطاقة العادية، أو (100$ دولار) قيمة الاشتراك السنوي للبطاقة الذهبية.
أما البطاقة العادية، فلا تمنح صاحبها إلا حقَّ دخول تلك المتاجر والتسوق منها فقط. بخلاف البطاقة الذهبية، فإنها تُعطيه فوق ذلك خصمًا 2% على كل فاتورة شراء، ثم في نهاية العام تُجرَى محاسبة، فإن نقصت قيمة ما استفاده بالخصم (2%) على مدار العام عن مبلغ (50$ دولارا = فرق سعر اشتراك البطاقة الذهبية عن العادية)، أعادوا إليه المبلغ المتبقي، وإن زادت قيمة ما استفادة بالخصم على مدار العام وإن بلغ ما بلغ، فلا يطالب بشيء.
رجاءً أفيدونا بتفصيل الأقوال والأدلة، في هذه المسألة التي كثرت المناقشات والآراء حولها.أنار الله بكم، ونفع الله بعلمكم، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد صدرت قرارات مجمعيَّة في المنع من بطاقات التخفيض غير المجانية، وعللت ذلك بما تتضمنه من الغرر، وأكلٍ للمال بالباطل؛ لأن البائعَ يأخذ قيمتها بغيرِ عِوَض، كما أن فيها غررًا.
فالمشتري يدخل بها في مقامرة، فهو لا يعرف تحديدًا مقدار الخصم الذي سيحصل عليه، فقد يكسب الجوائز والخصومات التي تمنحها له هذه البطاقة، وقد لا يكسب شيئًا لعدم وصوله إلى النقاط المطلوب تجميعُها للحصول على مزايا تلك البطاقة، أو لعدم شرائه من ذلك المتجر المعيَّن.
فهذا شبيه بالقمار وهو كل عقد دائر بين الغُنم والغرم. فالغرم فيها متحقق، يُقابلُه غُنمٌ محتمل، وهو الغرر الذي جاءت الشريعة بتحريمه في عقود المعاوضات.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في «صحيحه»(1).
هذا بخلاف بطاقات التخفيض المجانية فلا حرج فيها؛ لأنها من قبيل الوعد بالهبة.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، رقم: (103) (2/ 18) بشأن هذه البطاقة:
أولًا: عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة أو شرائها إذا كانت مقابلَ ثمن مقطوع أو اشتراكٍ سنوي؛ لما فيها من الغرر؛ فإنَّ مشتريَ البطاقة يدفع مالًا ولا يعرف ما سيحصل عليه مقابلَ ذلك؛ فالغُرم فيها متحَقِّق، يُقابلُه غُنمٌ محتمل، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في «صحيحه»(2).
ثانيًا: إذا كانت بطاقاتُ التخفيض تصدر بالمجان من غير مقابل، فإن إصدارها وقبولها جائزٌ شرعًا، لأنه من باب الوعد بالتبرُّع أو الهبة. والله تعالى أعلم.
وهذا هو اختيار الشيخين عبد العزيز بن باز وابن عثيمين رحمهما الله.
ولكن المتأملَ في توجيه المنع يجده لا ينطبق على البطاقة المذكورة، حيث إنَّ الغرر فيها منتفٍ؛ لأن الجهة الـمُصدِرة للبطاقة تضمن للمشتري أن لا يضيع اشتراكُه سُدًى، فإذا لم تبلغ نسبةُ تخفيضاته مبلغَ البطاقة رَدَّت إليه الباقي، فالغُنم محقَّق كذلك، وبهذا ينتفي كونُها من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، وما زاد عن قيمة البطاقة يُعدُّ هبةً من الجهة المصدرة، وهي تستفيد بهذا تشجيعَ عملائها على التسوُّق من خلالها، فلا يظهر لي حرج في هذه البطاقة. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «البيوع» باب «بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر» حديث (1513) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغَرر.
(2) أخرجه مسلم في كتاب «البيوع» باب «بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر» حديث (1513) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغَرر.

تاريخ النشر : 18 مايو, 2025
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend