أنا قبل زواجي كنت أعمل مُعلِّمةً، وبعدها تزوَّجتُ وسافرت مع زوجي إلى فرنسا، وراتبي الشهريُّ مستمرٌّ كلَّ شهرٍ، وبعدها ذهبتُ في إجازة وتكلَّمتُ مع أخي أن يقطع هذا الراتب لأنه لا يجوز لي أخذه، فقال لي، لا تأخذيه، ولكنني لن أقطعه وسآخده أنا.
أخي لا يُبالي بالحلال والحرام في المال، وفوق هذا ليس محتاجًا، فوضعه المادِّيُّ ممتاز، المهم تكلَّمتْ معي أمي وطلبت مني أن أترك لها هذا الراتب لأنها تحتاجه؛ فأبي متوفًّى قبل ولادتي وإخوتي مُتزوِّجون، وقالت لي: هو في كلِّ الأحوال لن يُوقِف المعاش، فأخي سيأخذه لأنه يشتغل في التَّعليم ويُمكنه تغطية الوضع، وأيضًا أن المنطقة التي أسكن فيها عندنا لا تُبالي بهذا الشَّيء، فكثيرٌ من المُتزوِّجات يأخذن رواتب بلا عملٍ بحكم وجود المعارف والواسطة.
المهمُّ في الأمر أن أمي بدأت تأخذ الراتب، ومنذ فترة كلَّمَتني وتقول إنها ستدع لي قليلًا من المبلغ في كلِّ شهرٍ لعلي أحتاجه عند رجوعي، وأنا رفضت.
فسؤالي: هل يجوز لي الأخذ من هذا المال لاستعماله في أشياء غير ضرورية، مثل شراء هدايا للأهل أو ملابس لي، أو إعطائه أحدًا محتاجًا، أو لا يجوز لي ذلك؛ لأن زوجي طالبٌ وراتبه ليس بالكثير؟
أرجو أن يكونَ السُّؤالُ واضحًا، بارك اللهُ لكم، فأنا في حيرة من أمري.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فما دام نظام العمل يقصر الرَّاتب على من يُباشر العمل بالفعل، فلا سبيل إلى أخذ هذا الراتب بدون عملٍ؛ لأنه يكون حينئذٍ من السُّحت الذي لا يَحِلُّ، وأيُّما لحمٍ نبت من سحت فالنَّار أولى به(1)! والتَّحيُّل على أخذه بالوسائط والمعارف لا يُحِلُّه، ويستوي في ذلك إنفاقه في أشياء ضرورية أو غير ضرورية، ويستوي في ذلك أن يكونَ أخوك أو أمُّك من المحتاجين لهذا المال أو من غير المحتاجين، فلا علاقة لذلك كلِّه بحِلِّ الراتب بلا مقابلٍ من عمل، من حيث المبدأ.
فأرجو أن تتدبَّري أمورك على هذا الأساس، وأن يكون لك موقف يخرجك من تبعة المشاركة في الإثم أو الإعانة عليه، فقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]. بارك اللهُ فيك، وزادك حرصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (3/321) حديث (14481)، والدارمي في كتاب «الرقاق» باب «في أكل السحت» حديث (2776)، وابن حبان في «صحيحه» (5/9) حديث (1723)، والحاكم في «مستدركه» (4/468) حديث (8302)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: «يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْـجَنَّةَ لَـحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».