شيخنا الفاضل، حفظكم الله ونفع الأمة بكم وبعلمكم. أمَّا بعد:
فسؤالي اليوم يتعلَّق بأحد أنواع البيع، وهو البيع بالتَّقْسيط، والحال أن أحد أصدقائي يهمُّ بالزَّواج واستوجب عليه هذا الأمر اقتناء بعض المفروشات، وفي متجر المفروشات عرض عليه أن يدفع الثَّمَن على أقساطٍ وفي المقابل تقع زيادة تُقدَّر بثمانية بالمائة من الثَّمَن الإجمالي، وهذا العرض يتماشى جيدًا مع إمكانيات صديقي، لكن إذا أراد تجنُّب هذه الزِّيادة فعليه الدَّفع مسبقًا، وهو ما يتسبَّب في عسرة مادِّيَّة. ما يهمني هنا هو النُّصح لصديقي بما يُرضي الله، فأرشدني يا سيدي ولكم الأجر إن شاء الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا حرج في البيع بالتَّقْسيط مع زيادة الثَّمَن، على ألا ينصَّ في عقد البيع على فائدة مقابل هذا التَّقْسيط، وإِنَّمَا ينص على الثَّمَن الإجمالي لهذه الصَّفَقة بعد إضافة الزِّيادة التي ينشدها البائع، ثم يقسط الثَّمَن على المدد الـمُتَّفق عليها.
ولا يجوز إلزامُ الـمُشتري بزيادةٍ مقابل التَّأخير في أداء هذه الأقساط، مع التَّأكيد على أن ««مَطْل(1) الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»»(2). وأن ««لَـيّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»»(3).
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بذلك، وفيما يلي نصُّه تتميمًا للفائدة:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الـمنعقد في دورة مؤتمره السَّادس بجدة في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة من 17- 23 شعبان 1410هـ الموافق 14– 20 آذار (مارس) 1990م، بعد اطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتَّقْسيط، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرَّر ما يلي:
أوَّلًا: تجوز الزِّيادةُ في الثَّمَن المؤجَّل عن الثَّمَن الحالِّ، كما يجوز ذِكرُ ثمن المبيع نقدًا وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يَصِح البيعُ إلا إذا جزم العاقدان بالنَّقْد أو التَّأجيل، فإن وقع البيع مع التَّردُّد بين النَّقْد والتَّأجيل بأن لم يحصل الاتِّفاق الجازم على ثمنٍ واحد مُحدَّد فهو غير جائزٍ شرعًا.
ثانيًا: لا يجوز شرعًا في بيع الأجل التَّنْصيصُ في العقد على فوائد التَّقْسيط مفصولةً عن الثَّمَن الحالِّ بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتَّفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.
ثالثًا: إذا تأخَّر المشتري المدين في دَفْع الأقساط عن الموعد المُحدَّد فلا يجوز إلزامُه أيَّ زيادةٍ على الدِّين بشرطٍ سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك رِبًا مُحرَّم.
رابعًا: يَحْرُم على المدين المليء أن يُماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراطُ التَّعْويض في حالة التأخُّر عن الأداء.
خامسًا: يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلولَ الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخُّر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدينُ قد رضي بهذا الشَّرْط عند التَّعاقُد.
سادسًا: لا حقَّ للبائع في الاحتفاظ بملكيَّة المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهنَ المبيع عنده لضمان حقِّه في استيفاء الأقساط المؤجَّلة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_____________
(1) تأخير سداد الدين من غير عذر.
(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس» باب «مطل الغني ظلم» حديث (2400)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أحيل على ملي» حديث (1564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/222) حديث (17975)، وأبو داود في كتاب «الأقضية» باب «في الحبس في الدين وغيره» حديث (3628)، والنسائي في كتاب «البيوع» باب «مطل الغني» حديث (4689)، وابن ماجه في كتاب «الأحكام» باب «الحبس في الدين والملازمة» حديث (2427)، والحاكم في «مستدركه» (4/115) حديث (7065)، من حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه . وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وذكره العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (2/824) وصحح إسناده، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (2919).