الله يعزك يا دكتور صلاح.
أنا مسئول عن مال ابن أخي اليتيم، وأدخره له حتى يكبر ويأتي لي تبرعات من أجله. فهل يجوز أن آخذ من هذا المال لسدِّ ضائقة مالية؟ مع العلم بأنني سوف أسدد هذا المبلغ وأضعه مرة أخرى. أفيدونا بارك الله فيكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: 152].
وإن تصرُّفَ الولي منوط بالمصلحة لا بالهوى والتشهي.
ولما كان إقراض ماله في الأعمِّ الأغلب ليس من مصلحته، فلا يجوز هذا الاستقراض من مال اليتيم إلا عند ظهور المصلحة في ذلك، كما لو تعيَّن طريقًا لحفظه، فيجوز لظهور المصلحة حينئذٍ، وقد ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا يجوز للوصي أن يقترض لنفسه شيئًا من مال الصغير للتهمة.
قال ابن قدامة الحنبلي في «المغني»: «فأما قرض مال اليتيم: فإذا لم يكن به حظٌّ له لم يجز قرضه، فمتى أمكن الوليَّ التجارةُ به، أو تحصيلُ عقار له فيه الحظ- لم يقرضه؛ لأن ذلك يُفوِّت الحظ على اليتيم، وإن لم يكن ذلك وكان قرضه حظًّا لليتيم جاز»(1).
وجاء في «المبسوط» للسرخسي الحنفي: «الوصي لا يقرض على اليتيم ولا يستقرض؛ لأنه تبرع… وللقاضي ولاية الإقراض في مال اليتيم؛ لتمكنه من الاسترداد متى شاء»(2).
وقال محمد بن الحسن والمالكية في قولٍ- بجواز اقتراض الوصي لنفسه من مال اليتيم إذا كان له مال فيه وفاء(3).
وللشافعية تفصيل في هذه المسألة فقالوا: «لا يجوز إقراض الوليِّ مال مُولِّيه من غير ضرورة إذا لم يكن الحاكم، أما الحاكمُ فيجوز له عندهم إقراضه من غير ضرورة- خلافًا للسُّبكيِّ- بشرط يَسَارِ المقترِض وأمانته وعدم الشُّبهة في ماله إن سَلِم منها مال المُولَّى عليه، والإشهاد عليه، ويأخذ رهنًا إن رأى ذلك»(4).
وصفوة القول أن في المسألة قدرًا من الخلاف، وأن جمهور الفقهاء على المنع، وأن الحزم تجنُّب مال اليتيم، دفعًا للتُّهَمة، وحفظًا للأمانة، وقطعًا لذريعة التخوُّض في ماله بغير حقٍّ، اللهم إلا عند الضرورات كما أشار الشافعية.
فإذا كان يجوز عند الافتقار أن تأكل من ماله بالمعروف، وهذا استهلاك لبعض المال في غير عوض، فيجوز عند الضرورة الاستقراض الذي يكون له عوض، بشرط تحقق الاضطرار، وأن تقدر الضرورة بقدرها، والإشهاد على ذلك، والعزم القاطع على ردِّ هذا المال عند القدرة على ذلك، فإن «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ الله»(5).
وأسأل الله أن يُغنيك من فضله. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) «المغني» (4/183-184).
(2) «المبسوط» (21/101-103).
(3) الثابت عند الحنفية عدم جواز استقراض الوصي من مال اليتيم فقد جاء في «المبسوط للسرخسي» (14/ 37) من كتب الحنفية « ليس للوصي أن يستقرض من مال اليتيم؛ لأنه لا يقرض غيره فكيف يستقرضه لنفسه؟ وهذا؛ لأن الإقراض تبرع فلا يحتمله مال اليتيم، وبظاهر الحديث يأخذ محمد – رحمه الله – فيقول: إذا اشترى الوصي من مال اليتيم لنفسه شيئا لا يجوز ولكن أبا حنيفة يقول: مراده؛ إذا اشترى بمثل القيمة أو بأقل على وجه لا يكون فيه منفعة ظاهرة لليتيم؛ لأن مقصوده من هذا الأمر أن ينفي التهمة عن نفسه».
وجاء في «الاختيار لتعليل المختار» (5/ 68) من كتب الحنفية «وليس للوصي أن يقترض مال اليتيم، وللأب ذلك، وليس لهما إقراضه، وللقاضي ذلك».
وجاء في «التاج والإكليل لمختصر خليل» (7/ 275) من كتب المالكية «وهذا بخلاف تسلف الوصي مال اليتيم فإنه آثم (والمثلي) تقدم اللخمي أن مثل الكتان لا يجوز تسلفه قال: وأما القمح والشعير ونحوه، فهل يجوز سلفه كالدراهم؟ ظاهر المدونة أنه مثلها. وقال الباجي: الأظهر عندي المنع، ويجيء على قول القاضي أبي محمد أنه يبرأ برد مثله إباحة ذلك لهم انتهى».
(4) جاء في «نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» (4/ 377) من كتب الشافعية « ويمتنع على غير القاضي من الأولياء إقراض شيء من مال صبي أو مجنون بلا ضرورة من نحو نهب أو حريق أو إرادة سفر يخاف عليه فيه، أما القاضي فله ذلك مطلقا لكثرة أشغاله، ولا يقرضه إلا لمليء أمين ويأخذ عليه رهنا إن رأى ذلك مصلحة».
(5) أخرجه البخاري في كتاب «في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس» باب «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها» حديث (2387) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.