نحن خمسة إخوة، قام الأخ الأكبر بشراء محلٍّ تجاري منذ أربعين عامًا تقريبًا، برأس مالٍ من الأخ الأكبر 40% ومن الوالد 60%، ولقد كان يساعِدُه الأخُ الأصغر منه، وهو أصغرُ منه بعشر سنوات، وقد فتح الله عليهم بالخير الكثير، وقد قام الأخ الكبير بالإدارة لمدة 20 عامًا، وكان الأخ الأصغر يساعده، وعندما كَبِرَ الإخوةُ الثَّلاثة الباقون قام الأخ الأكبر بوضْعِ نِسَبٍ وحِصصٍ لكل شخصٍ، ووضع نِسبةً عادية مقاربة لهم؛ ليظلوا على حُبٍّ وتعاوُنٍ، ولا يكون هناك فرق مادي.
وبعد مرور السنين تغيَّرتْ نفوسُ الإخوة الصغار، ونسوا تعب الإخوة الكبار، وأصبح قلة الاحترام والأدب، والتَّبذير وسوء الأمانة – هي الموجودة عند الإخوة الثلاثة الصغار.
السؤال: هل هناك من حرمة إذا عاد الأخُ الكبيرُ وغَيَّرَ الحصص بشكل متناسب حسبما قدم كلُّ أخ منهم من رأس مال وتعبٍ وأن يأخذ كل أخ حِصَّته حسب الشرع؟ مع ملاحظة أن الأخ الكبير هو المربي وهو المسئول عن كل شيء، والوالد إنسان بسيط لا يجيد إدارة أي عمل ولا يعرف أي شيء عن العمل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا حرج في ردِّ القسمة إلى العدل، فبالقِسْطِ قامت السموات والأرض.
وننصح في هذه الحالة أن يتولَّى ذلك شخصٌ آخر بعيدٌ عن محيط الأسرة، كمُفتٍ أو عالمٍ أو نحوه، يُعيِّنُه على ذلك بعضُ الوُجهاء والكبار في العائلة، حتى لا يكونَ الأخُ الأكبر موضعَ تهمة وريبة أمام إخوته الصغار، وإن كنَّا ننصحه ونحبُّ له أن يبقى على الفضل الذي بدأ به، فقد قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أَصِلُهم ويقطعوننِي، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئونَ إليَّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليَّ، فقال: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ»(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالـمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُه وَصَلَهَا»(2).
وإذا كان قد وهبهم هذا الفرق فليس له أن يرجع في هبته، فليس لنا مثل السوء: العائِدُ في هبتِه كالكلب يقيئ ثم يعودُ في قيئه(3). والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «صلة الرحم وتحريم قطيعتها» حديث (2558).
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «ليس الواصل بالمكافئ» حديث (5991) مرسلًا عن حسن وفطر رحمهما الله.
(3) فقد أخرج مسلم في كتاب «الهبات» باب «كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه» حديث (1620): أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حَمَل على فرس في سبيل الله فوجده عند صاحبِه وقد أضاعه، وكان قليلَ المال، فأراد أن يشتريَه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ».