فضيلة الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي حفظه الله.
أحد الإخوة يعيش في بريطانيا، ولديه دكان عرضه للإيجار منذ أكثر من عام في مدينة ليفربول، ومعظم من يريد أن يستأجره يريدون أن يبيعوا به خمرًا، وهذا الأخ لديه شكٌّ في حرمة تأجيره لهؤلاء الأشخاص. علمًا بأن الدكان يكلفه ٢٠٠٠ جنيه إسترليني سنويًّا إن لم يُؤجِّره، بالإضافة إلى تأمينه واحتمال كسره وسرقة ما به لأنه فارغ. فبما تنصحه؟ جزاك الله خيرًا.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد تمهَّد في الشريعة النهي عن كلِّ عقدٍ تضمن إعانة على معصية، فلا يجوز بيع العنب لمن يعصره خمرًا، ولا بيع السلاح لمن يقتل به معصومًا، ولا يجوز بيع الخشب لمن يتخذه صليبًا، ولا النُّحاس لمن يتخذه ناقوسًا، ولا بيع الأرض أو المبنى ليتخذ معبدًا تُقدَّم فيه العبادة لغير الله، أو ليتخذ بارًا يقدم فيها الخمر، أو كازينو يمارس فيه القمار، وهكذا؛ وذلك لعموم قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
وقد جاء في الإعانةِ على الخمر خاصةً حديثُ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرةً: عاصرَها، ومعتصرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وساقيَها، وبائعَها، وآكلَ ثمنها، والمشتَرِيَ لها، والمشتراةَ له(1).
وقد روى ابن بطة في تحريم النبيذ، بإسناده عن محمد بن سيرين: أن قَيِّمًا كان لسعد بن أبي وقاص في أرضٍ له، فأخبره عن عنبٍ أنه لا يصلح زبيبًا، ولا يصلح أن يُباع إلا لمن يعصره، فأمر بقَلْعِه وقال: بئس الشيخ أنا إن بِعتُ الخمر. نقله ابن قدامة في «المغني»(2).
واعلم أن من يتقي الله يجعل له مخرجًا، فلعل الله أن يَمُنَّ على صاحب هذا المحل بصفقة تُعوِّضه عن صبره على أمر الله عز وجل، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2، 3]. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه الترمذي في كتاب «البيوع» باب «النهي أن يتخذ الخمر خلًّا» حديث (1295)، وابن ماجه في كتاب «الأشربة» باب «لعنت الخمر على عشرة أوجه» حديث (3381). وقال الترمذي: «حديث غريب»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (1295).

(2) «المغني» (4/167-168).