أريد أن أفتح محلَّ مصوغات ذهبية، ومتردِّدٌ من صعوبة غضِّ البصر والتعامل مع النساء المتبرجات، وممكن يشتروا المصوغات وهم متبرجاتٌ. ما نصيحتكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الكلام في التجارة في الذهب من شقين:
الأول: ما يتعلق بالمعاملة مع النساء التي تعمُّ بها البلوى في هذه التجارة، ونحن لا نُنكر أنه يرخص في النظر بغير شهوة إلى الأجنبية عند الحاجة، كما هو الحال عند البيع والشراء أو عند الخِطبة أو عند تعليم ما لا يتمُّ تعلُّمه إلا بالنظر ونحوه، ولكن المشروع قد يجرُّ إلى غير المشروع، والنساء أعظم الفتن وأضرها على الرجال، فـ«مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»(1).
وعلى كل حال فإن النَّاس في ذلك ليسوا سواء، فمن علم في نفسه ضعفَها في هذا الباب وعدمَ قدرته على الوقوف عند حدود المشروع فخيرٌ له أن يجتنب هذا العمل فلا شيء يعدل السلامة، ومن آنسَ في نفسِه القوةَ على ذلك فليمض على بركة الله، لأنه لا غنًى عن وجود الصالحين في هذه المواقع، فهي من جملة المصالح العامة التي لا بديل منها ولا غنى عنها.
والثاني: ما يتعلق بالأحكام الفقهية التي لابد من العلم بها قبل الدخول في هذه التجارة، ففي هذه التجارة لابد من التقابض، فالذهب والفضة لا يصحُّ بيعهما نسيئةً ولا يحلُّ ذلك، وفي الباب حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»(2).
فإن بعت ذهبًا بذهب فلابد من التماثل والتقابض، وإن بعت ذهبًا بفضَّةٍ أو بنقود فلابد من التقابُض، ولا حرج في التفاضل.
فننصحك أيها السائل الكريم إن عزمتَ على الدخول في هذه التجارة أن تتعلم من أحكامها ما لا يسع مثلك جهله، ورحم الله عمر القائل: لا يجلس في سوقنا إلا من فقه في ديننا، وإلا أكَل الربا شاء أم أبى(3).
واستخر الله في كل خُطوة قبل الإقدام عليها، وسلِ الله الرُّشْدَ، ولن يخيبك الله إن شاء الله. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) متفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «ما يتقى من شؤم المرأة» حديث (5096)، ومسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء» حديث (2741)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
(2) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا» حديث (1587) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.