أتشرف بالتواصل مع فضيلتكم، ونحن نحبكم ونثق فيكم ونحتاج لتعاونكم معنا، وخصوصًا أنكم تقيمون في أمريكا، ولكم خبرة في أحوال المسلمين في الغرب، وأنا أتابع موقعكم وأستفيد منه كثيرًا. جزاكم الله خيرًا.
وسؤالي: أحد التجار عندنا في المجر قام بعملية صرف مبلغ مع تاجر آخر، وبعد ذلك طلب منه أن يحوِّل له المبلغ إلى جهة أخرى، وكان البنك مغلقًا في ذلك اليوم؛ لأنه آخر الأسبوع كما تعلم في الغرب وهو الجمعة، فحفظ له المبلغ في خزانة أمينة إلى يوم الإثنين ليفتح البنك ويحولها له وأخذ منه أجرة الحوالة، ولكن حصلت عملية سطو وسرقة للمحل يوم الأحد وسرق المبلغ، والآن يريدون مني الحكم بينهم بصفتي إمام المركز الإسلامي، وبينهما مشكلة كبيرة.
السؤال: هل يضمَن الشخص الذي سرق منه المبلغ ويعيده لصاحبه أم لا يضمن؟ علمًا أن الرجل لم يفرِّط في حفظ المال، علمًا أنه يقدر على دفع المبلغ لوجود أموال أخرى لديه، وهو تاجر كبير في السوق، كما أن صاحب المال يقول: إن المال الذي كان سيحوَّل هو مال لشخص آخر مسيحي وليس ماله، فكيف نحكم بالشريعة على شخص غير مسلم؟ فما رأيكم؟ هل لها حكم الأمانات أم لا؟ أم الحوالة حكمها آخر مثل أحكام البنك يتحمل المخاطر ويضمن؟ وإذا ثبت أن المال لمسيحي فما الحكم؟ من يتحمل المبلغ؟ وعلمنا هنا بالقضايا المالية الاقتصادية ضعيف، أنا أعلم أنها مسألة قضائية، ولكن ليس للناس هنا إلا المركز الإسلامي كما تعلمون، فما رأيكم؟ أتمنى الإسراع بالرد، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإذا كان الصرف قد تم يدًا بيد، ثم سلم المال بعد ذلك لتحويله إلى حيث أراد صاحبه، ولم يتمكَّن من فُوِّض في هذه المهمة من القيام بها على الفور نظرًا لإغلاق البنك، فحفظه في خزانة حديدية إلى أن يتمكن من تحويله، ثم ضاع بعد ذلك بسبب لا يد له فيه، إذا صحت هذه المقدمات وكنت قد فهمتها من رسالتك فهمًا دقيقًا فإن المال بيد صاحب الخزانة أمانة، ويده عليه يد أمانة، والأمين لا يضمن إلا بالتفريط أو التعدِّي، فإذا لم يُنسب إليه تفريط في حفظ المال ولا تعدٍّ باستعماله بغير إذن صاحبه فإنه لا يضمن، وتقع مصيبة هلاكه على صاحبه، ويدقِّق هذه المقدمات أهل الخبرة عندكم.
ولا وجه لقوله: كيف نحكم بالشريعة على مسيحي؛ لأننا نحكم عليه ولا نحكم على المسيحي، ولكن تبقى مسألة أخرى تتعلق بالمروءات، فإذا كان صاحب هذا المال مكروبًا وملجًا، وقد نزلت به هذه النازلة، فينبغي على هذا التاجر- وقد وسَّع الله عليه- أن يضرب بسهم في جبر آثار هذه الكارثة، و «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(1)، وإن استطاع أن يستنفر آخرين من أهل اليسار من إخوانه ليضربوا بدورهم بسهم في تنفيس هذه الكربة فقد أحسن، وتبقى المسألة في دائرة النبل والمروءات وليس في دائرة الحقوق والواجبات. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر» حديث (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .