هل يجوز تأجيرُ عقار لبنك ربوي ليكون مقرًّا له؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن تحريمَ الربا مما نصَّ عليه الكتاب والسنة، وانعقد عليه إجماع الأمة، وأصبح ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة، والبنك التقليدي تاجرُ نقود، يقترض بفائدة ويُقرض بفائدة أعلى، ويأخذ الفرق بين الفائدة الدائنة والفائدة المدينة، والقروض التي اشترطت فيها زيادة من الربا الجلي المحرم بإجماع المسلمين، لقوله تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278-279].
وإذا تقرَّر ذلك فتُحرم الإعانة على ذلك إعانةً مقصودة أو مباشرة، لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، ولقوله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: «هُمْ سَوَاءٌ»(1).
وإنما لعن الكل لمشاركتهم في الإثم، ومن الإعانة المباشرة تأجيرُ عقار للبنك ليتخذَه مقرًّا له، ومن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه(2).
وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين:
((أملك مبنى، وتقدم أحدُ البنوك لاستئجاره، وحيث إن هذا البنك من البنوك التي تتعامل بالربا: فهل يجوز لي تأجير هذا البنك وأمثاله ممن يتعامل بالربا أم لا؟
فأجابت: لا يجوز ذلك؛ لكون البنك المذكور يستخدمها مقرًّا للتعامل بالربا المحرَّم، وتأجيرها عليه لهذا الغرض تعاونٌ معه في عمل محرَّم، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]. وقد سئلت دار الإفتاء الأردنية هذا السؤال (قامت جدتي بتأجير عقار لبنك ربوي، وبعد وفاتها قمنا برفع إنذار عدلي للبنك لإخلاء المأجور، طلب البنك مهلة سنة، فهل يجوز إعطاؤه هذه المهلة، أم الاستمرار بإجراءات المحكمة؟ علماً بأن إجراءات المحكمة قد تستمر سنة. وهل يحق لوالدتي إخلاؤه بدون علم أبناء خالي كونهم يملكون 5% من العقار؟ وما حكم الأجرة كون والدتي ليست هي من قامت بتأجيره؟
فأجابت (لا يجوز تأجير العقار لبنك الربوي؛ لأن البنك الربوي يقوم على الربا، والربا محرم شرعاً؛ قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة / 275.
والإعانة عليه حرام؛ قال الله تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة / 2، ولذلك يجب إخلاء البنك حالاً إلا إذا تعسر الإخلاء حسب الإجراءات القانونية، أو الإدارية التي لا خيار لصاحب العقار فيها.
وفي حالة تعسر الإخلاء يكون العقار بذلك قريبا من حكم المغصوب، ومالك المغصوب له أن يتقاضى الأجرة طوال فترة الغصب؛ لأن الغاصب يضمن منفعة المغصوب، وعليه أجر المثل, يقول الشربيني رحمه الله: “لأن المنافع متقومة فكانت مضمونة بالغصب كالأعيان” [مغني المحتاج 2 / 387].
وعليه، يكون الانتفاع بمال الأجرة مباحاً طيلة مدة التعسر. وأما الورثة فيجب إعلامهم بالإخلاء، والتراضي فيما بينهم؛ لأنهم شركاء في العقار، ولهم الحق الشرعي والقانوني بذلك. ) والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «لعن آكل الربا ومؤكله» حديث (1598)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 78) حديث (20758)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 178) حديث (1135)، من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير عن رجل من الصحابة بلفظ: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ الله جَلَّ وَعَزَّ إِلَّا أَعْطَاكَ خَيْرًا مِنْهُ»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 269) وقال: «رواه كله أحمد بأسانيد ورجالها رجال الصحيح».