بيع السيارات بتسهيلات من البنوك للعملاء(1)

أنا أمتلك عدة وكالات لبيع السيارات بكندا يعمل بها مسلمون وغير مسلمين، منها ما أمتلكه بالكامل ومنها لي فيها شريك. في الوكالات المشتركة أساهم بنسبة 50% من الأصول، وأحصل مقابل ذلك على 50% من الأرباح. سألت كثيرًا عن حكم هذه التجارة وفي كل مرة أحصل على حكم مختلف بين (الحرام والحلال والمكروه).
وللعلم فإن جميع الوكالات ليست مدينةً لأي جهة، كما أننا لا نقترض مالًا لشراء السيارات، وكذلك لا نبيع ضمان مدى الحياة، ولكننا دائمًا ما نعلن أننا على استعداد لتسهيل التمويل اللازم لشراء السيارات (بما يعني أننا نقوم بتسهيل عملية التمويل المالي من خلال تحرير الأوراق والمستندات التي تقدم إلى البنك) وهو الأمر الذي يحتاجه ما لا يقل عن 80 % من زبائننا؛ حيث يفضلون القرض البنكي والتمويل على سداد قيمة السيارات دفعة واحدة.
والعملية التجارية تتم كالتالي: يأتي الزبون إلى أحد الوكالات ويختار السيارة التي تناسبه، ثم يذهب إلى مكتب التسهيل البنكي داخل الوكالة لملئ استمارة الكشف عن وضعه الائتماني Credit Check، ثم يقوم الموظف المختص داخل الوكالة (الذي يعمل لحسابنا) بتحويل هذه الاستمارة إلى البنك للكشف عن وضع المشتري الائتماني، وما إذا كان وضعه يسمح لشراء هذه السيارة أم لا.
وإذا وافق البنك على وضع المشتري الائتماني يقومُ بتحويل قيمة السيارة بالكامل لحساب الوكالة، مع مبلغ آخر كعمولة مقابل تحويل المشتري لهذا البنك، والذي يتمُّ تحديدُه بناءً على قيمة انتفاع البنك من هذا القرض الذي سيحصل عليه الزبون لشراء السيارة.
بعد ذلك تكون العلاقة المالية مباشرة بين المشتري والبنك. وكوني المالك لهذه الوكالة فأنا لا أقوم شخصيًّا بملأ هذه الاستمارات (حيث يقوم بذلك موظفون يعملون لدى الوكالة التجارية) التي تقدم للبنك، ولكني أكثر المستفيدين من هذه العملية التجارية.
أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا الحكم الشرعي المفصَّل لهذه العملية التجارية بالكامل، حيث إذا تبين لنا أنها غير شرعية فلن أتردد في أن آتي بنفسي لأشرف بلقاء فضيلة الدكتور الشيخ الصاوي بنفسي لتوضيح الأمر والعمل على إيجاد حلٍّ شرعي لهذه العملية التجارية التي يقوم عليها معاشي ومعاش كثير ممن يعملون لدي.
بعض الحلول المطروحة:
1- هل لي أن أتنازل عن ملكية التجارة لصالح شريك لي؛ وحينها أقوم ببيع السيارات له (للشركة بشكل جملة) مقابلَ نسبةِ ربحٍ ثابتة، ولا أتدخل فيما يلي من إجراءات أو جَرِّ أي منفعة من عملية القرض البنكي.
2- هل لي أن أُبقِيَ على ملكيتي للوكالات، ثم أقوم بتأجيرها لشريكي، ولكن بإيجار أعلى مقابلَ المبنى، إضافة إلى رأس المال الذي سأقوم بتركِه له لإدارة العملية التجارية.
وكل ما أسعى إليه هو أنه في حال ما كانت هذه العملية التجارية غير مقبولة شرعًا، فكيف لي أن أُديرها بشكل شرعيٍّ أُحافظ به على نسبة أرباح مقابل ما أستثمره من مال وأصول.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأُحيِّي فيكم حرصكم على تحري الحلال والحرام في باب المكاسب، فـ«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْـحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا»(1). وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به(2). قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَـحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ»(3).
أُحيي فيكم حرصكم على تجنُّب القروض الربوية، وعلى تجنب بيع الضمان مدى الحياة؛ لما يتضمنه من الغرر الفاحش. أسأل الله أن يبارك لكم في كسبكم وأن يوسع عليكم في أرزاقكم وأن يسلطكم على هلكتها في الحق. اللهم آمين.
تكمن المشكلة فيما ذكرت في مكتب التسهيل البنكي التابع لكم، والذي يعين طلاب الشراء على إبرام القروض الربوية مع المصارف، ولا يعفيكم من التبعة كونُكم لا تباشرون هذا بأنفسكم، فإن تصرفات الوكيل تنصرف إلى ذمة الموكِّل، فهؤلاء موظفون لديكم، ويأتمرون بأمركم، ويأخذون مخصصاتهم المالية منكم، ونفع عملهم راجع إليكم، فالمسئولية عن هذا قائمة، ولا يمكن التنصل منها.
ويكمن الخلل في هذا القسم ما يتضمنه من الإعانة على الإثم، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
وقد لعن الله في الخمر كما تعلم عشرةً، ففي حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لُعِنَتِ الْـخَمْرَةُ عَلَى عَشْرَةِ وُجُوهٍ: لُعِنَتِ الْـخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَشَارِبُهَا، وَسَاقِيهَا، وَبَائِعُهَا، وَمُبْتَاعُهَا، وَعَاصِرُهَا، وَمُعْتَصِرُهَا، وَحَامِلُهَا، وَالْـمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَآكِلُ ثَمَنِهَا»(4).
وقد تمهَّد عند الفقهاء المنعُ من كلِّ عقد أفضى إلى معصية، فلا يجوز بيعُ العنب لمن يعصره خمرًا، ولا بيع الخشب لمن يتخذه صليبًا، ولا بيع النحاس لمن يتخذه ناقوسًا، ولا بيع السلاح لمن يقتل به معصومًا.
وفي «فتاوى ابن حجر الهيتمي»:
«وسئل بما صورته: وما الحكم في بيع نحو المسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيب به صنمه، وبيع حيوان لحربيٍّ يعلم منه أنه يقتله بلا ذبح ليأكله؟ فأجاب بقوله: يحرم البيع في الصورتين كما شمله قولهم: كلما يعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيع له، وتطييب الصنم وقتل الحيوان المأكول بغير ذبحٍ معصيتان عظيمتان ولو بالنسبة إليهم؛ لأن الأصحَّ أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببًا لفعلهما، وكالعلم هنا غلبة الظن، والله أعلم»(5). انتهى.
وقد كان موضوع ضابط الإعانة على الإثم والعدوان كان محلَّ بحثٍ طويل ومناقشات موسعة بين أعضاء مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، في دورته الخامسة التي انعقدت بالبحرين سنة 1428هـ، وكان خلاصة ما توصلوا إليه أن الإعانة على الإثم والعدوان أربعة أقسام:
1- مباشرة مقصودة كمن أعطى آخر خمرًا بنية إعانته على شربها.
2- مباشرة غير مقصودة، ومنه بيع المحرمات التي ليس لها استعمال مباح؛ إذا لم ينو إعانتهم على استعمالها المحرم.
3- مقصودة غير مباشرة كمن أعطى آخرَ درهما ليشتري به خمرًا، ومنه القتل بالتسبب.
4- غير مباشرة ولا مقصودة كمن باع ما يستعمل في الحلال والحرام ولم ينو إعانةَ مستعمليه في الحرام، وكمن أعطى آخرَ درهمًا لا ليشتري به خمرًا، فإن اشترى به خمرًا وشربه فلا إثم على من أعطاه الدرهمَ طالما لم ينو به إعانته على المحرم.
ومن هذا القسم الرابع البيع والشراء والإجارة من المشركين وفُساق المسلمين والتصدُّق عليهم بالمال، وقد كان قرار المجمع تحريمَ الأنواع الثلاثة الأولى وإباحةَ القسم الرابع، وهو ما ليس مباشرًا ولا مقصودًا.
وبالتأمل في عمل مكتب التسهيل البنكي نجد أنه من الإعانة المقصود غير المباشرة، فيشمله حكم التحريم، ولكن السؤال ما هو المخرج في هذه الحالة؟
إن الحرام- كما لا يخفى- منحصر في أعمال هذا المكتب، فإن أمكن عزلُه عن أعمال الشركة، وتركه لمن لا يرى في ذلك حرجًا من غير المسلمين، بحيث يستقلُّ به ملكًا وإدارةً، ويستقل به غُرمًا وغنمًا، فأرجو أن يكون ذلك مخرجًا مناسبًا.
وهذا هو الذي أشار إليه مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في دورة انعقاد مؤتمره الخامس بالبحرين تحت عنوان: ما يحل ويحرم من المهن والأعمال والوظائف خارج ديار الإسلام. وذلك بمناسبة حديثه عن حكم فتح توكيلات محلَّات بيع الأطعمة التي تتضمن بعض المحرمات؛ فقد نصَّ قرارُه في ذلك على ما يلي:
القرار الثالث عشر: حول بعض الأنشطة التجارية:
1- فتح توكيلات محلات بيع الأطعمة التي تتضمن بعض المحرمات.
لا يجوز للمسلم ابتداءً طلبُ فتح توكيل لمحلات بيع الأطعمة التي تتضمن مبيعاتها أطعمةً أو أشربة محرمةً، إلا إذا اقتصر طلبُه على التوكيل فيما يحلُّ منها.
إذا مَنعت نظُمُ هذه الشركات منحَ توكيلاتها لبعض منتجاتها دون بعضها الآخر، وأمكن تولية هذه المنتجات المحرمة لشريك غيرِ مسلم لا يتدين بحرمة هذه المنتجات- فلا يظهر ما يمنع من ذلك؛ على أن يستقلَّ غيرُ المسلم بهذه المنتجات ملكًا وإدارةً، وأن يستقل بناتجها غرمًا وغنمًا، وأن يحدث فصلٌ حسيٌّ بين كِلَي النوعين بما يمنع الالتباس والفتنة ما أمكن.
وعند تطبيق هذا الحل يُراعى أن العمولةَ التي يدفعها البنك تُترك لمن يباشرون العمل في هذا المكتب، حتى ينفصل هذا العمل بالكلية عن أعمال الشركة غرمًا وغنمًا وملكًا وإدارة.
وإذا ظهر عند التطبيق ما يستدعي معاودةَ الاستفتاء فاكتبوا إلينا ثانيةً، بارك الله فيكم، زادكم الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________________
(1) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (6/311) حديث (6495) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/350) وقال: «رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات، وقد حسن هذا الحديث أبو عمر النمري وغيره، وركبٌ قال البغوي: لا أدري سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وقال ابن منده: لا نعرف له صحبة. وذكر غيرهما أن له صحبة، ولا أعرف له غير هذا الحديث». وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/291) وقال: «رواه الطبراني في الصغير وفيه من لم أعرفهم»، وذكره الألباني في «السلسلة الضعيفة» حديث (1812).
(2) فقد أخرج الطبراني في «الأوسط» (6/311) حديث (6495) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجابَ الدعوة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْـحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَـحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ». وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/350) وقال: «رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات، وقد حسَّن هذا الحديث أبو عمر النمري وغيره، وركبٌ قال البغوي: لا أدري سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وقال ابن منده: لا نعرف له صحبة. وذكر غيرهما أن له صحبة، ولا أعرف له غير هذا الحديث». وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 291) وقال: «رواه الطبراني في الصغير وفيه من لم أعرفهم»، وذكره الألباني في «السلسلة الضعيفة» حديث (1812).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب «أبواب الجمعة- أبواب السفر» باب «ما ذكر في فضل الصلاة» حديث (614) من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه. وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (614).
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 25) حديث (4787)، وأبو داود في كتاب «الأشربة» باب «العنب يعصر للخمر» حديث (3674)، وابن ماجه في كتاب «الأشربة» باب «لعنت الخمر على عشرة أوجه» حديث (3380) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/319) وقال: «إسناده جيد».
(5) «الفتاوى الفقهية» (2/270).

تاريخ النشر : 07 أكتوبر, 2025
التصنيفات الموضوعية:   02 الربا والصرف, 06 قضايا فقهية معاصرة
التصنيفات الفقهية:  

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend