والدتي تعمل مديرة لقسم الاستحقاقات في إحدى المراكز البحوثية التابعة لوزارة الزراعة، من دورها الرواتب والمكافآت والحوافز وكل استحقاقات العاملين، ولكن أيضًا من واجبات وظيفتها الإمضاء على طلبات القروض للعاملين من البنوك الربوية والموافقة عليها، ليس بشخصها ولكن بصفة المركز وهي الجهة التي يعمل بها العامل. هي تعلم أن القرض بفائدة هو رِبًا وتحاول جاهدة أن تنصح العامل أن هذا الأمر حرام ومخالف للشريعة الإسلامية، وتطلب منه أن يطرُق أبوابًا أخرى غير هذا الباب، فتنجح في أوقات وتفشل في إقناع العامل في أوقات أخرى، وتضطر بحكم وظيفتها أن توافق وتوقِّع على الأوراق اللازمة للقرض.
ما حكم هذا؟ مع العلم أن هذا جزءٌ صغيرٌ من عملها وباقي العمل الأغلب فيه الحلال والله أعلم. وشكرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأصل أنه لا تجوزُ الإعانة على الربا لعموم النصوص التي تنهى عن التعاون على الإثم والعدوان، ولما ورَد بصفة خاصة من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومُؤْكلَه وكاتبَه وشاهديه وقال: «هُمْ سَوَاءٌ»، ولكن القروض الربوية قد عمَّت بها البلوى في هذا الزمان في الدوائر الحكومية وغيرها، وفي مثل هذه الأحوال يكون الفقهُ هو السعي في تقليل المفسدة إن لم تتمكن من منعها بالكلية؛ لأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها.
فإذا كانت الوالدة- حفظها الله- من موقعها تجتهد في تقليل هذه المفسدة بإقناع طالبي القروض الربوية بالعدول عنها وبيان مضارها الشرعية والاقتصادية لهم، وتبذل لهم في ذلك النصيحة الواجبة، وكان هذا العمل قليلًا بالنسبة لمجموع عملها- فأرجو أن ينغمر هذا القليل الممنوع في الكثير المشروع، وعليها أن تُقدِّر نسبةَ العمل الذي تقوم بها في هذا الإطار الممنوع وتتخلص مما يُقابله من الدخل، حتى يطيب لها الباقي. والله تعالى أعلى وأعلم.