إقامة جدولة بديون العميل لدى شركة بترول وإضافة غرامة تأخيرية عليه(2)

كنت قد أوردت إليكم سؤالًا عن عملي بقسم الإيصالات بشركة بيع مواد بترولية، وإني أرسل تلك الإيصالات لقسم الحسابات الذي يحتسب على أصل الدين غرامةَ تأخير. وكان جوابكم أن عملي لا يرتقى للمحرمات، ولكنه لا يخلو من الشبهة، وإن تيسر لي تركُ القسم أو الشركة لقسم أو شركة أخرى فهذا أفضل.
فهل ذلك يجب عليَّ وجوبًا أم أنه من باب الورع ويسعني أن أفعله أو لا أفعله؟
هل تزول عني تلك الشبهة لو بقيت في نفس القسم ولكني اكتفيت بتجميع الإيصالات وتعاملت فقط مع العملاء؟ حيث إن عملي له صورة أخرى وهي أن هناك عملاء يُخطئون ويسهون عن بعض كميات المنتج التي استلموها، فأقوم بتصوير الإيصال لهم وأعطيه للعميل وليس للحسابات، على أن يقوم غيري في القسم بالتعامل مع الحسابات، مع العلم أني أقوم بتجميع جميع الإيصالات.
فهل تجميعي للإيصالات وقيام غيري بتصويرها لقسم الحسابات يخرجني من دائرة الشبهة؟
وهناك أمر آخر يشغلني:
كنت أعمل بنفس الشركة بقسم التعيينات والشركة مختلطة فيها رجال ونساء، ولا شكَّ أن الاختلاط حَرَّمه الإسلام، وكان في نفسي شيء من عملي، فكنت أستشعر أني أُعين على الاختلاط لأن طبيعة عملي كانت استيفاء أوراق المتقدمين للعمل وإرشادهم على الأوراق المطلوبة منهم، وعمل خطابات التعيين لهم، والمال الذي اكتسبته خلال الفترة التي عملت فيها بذلك القسم لم أنفقة تقريبًا حتى الآن، فما هو حكم ذلك المال؟
كذلك ما هو حكم الاشتراك في الصندوق الطبي للعاملين بالشركة والخاص بأُسَرِهم؟ حيث تُتيح الشركة للعاملين فيها أن يشتركوا لأبنائهم وأزواجهم بالصندوق الطبي للشركة، مع العلم أنه اختياريٌّ وليس إجباريًّا، وأن أمواله تُوضع في البنوك الربوية؟

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يخفى من أسئلتك أنك ممن يحرصون على دينهم ويحتاطون لآخرتهم بارك الله فيك، وبناء على ذلك نقول لك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ»(1).
واعلم سلمك الله أنه لا شيء يعدل السلامة في الدين، وأنه إذا لم تستطع أن تتجنب المفسدة بالكلية فقلِّل منها ما استطعت، كما إذا لم تستطع تحصيلَ المصلحة بالكلية فحصِّل منها ما استطعت، فإن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأن الميسور لا يسقط بالمعسور، وأن ما لا يُدرك كلُّه لا يُترَك جلُّه.
فإذا لم تستطع تركَ التحوُّل عن العمل بالكلية، وأمكنك التحوُّل إلى قسم آخر تكون معه أبعدَ عن الإعانة المباشرة أو المقصودة على المحرم فاحرص على ذلك، فإنه أولى لك فأولى، وهذه القاعدة تنطبق على العمل في مجال الإيصالات وفي مجال التعيينات وفي أي مجال من مجالات العمل بصفة عامة.
والتأمين الطبي الذي يُقدِّم خدمةً ولا يقدم مالًا، إن احتجت إليه فلا حرج في الاشتراك فيه، فإنَّ وجه الفساد في هذه العقود هو ما يشُوبها من الغرر، والغرر يترخص فيه عند الحاجات. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «فضل من استبرأ لدينه» حديث (52)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «أخذ الحلال وترك الشبهات» حديث (1599)، من حديث النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنهما.

تاريخ النشر : 20 يوليو, 2024
التصنيفات الموضوعية:   02 الربا والصرف

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend