أسئلة حول التمويل، والبيع بالتقسيط، والقرض

فى بلدنا ظهر بعض الناس يتعاملون بمعاملات وُجد حولها أنواع من الجدل؛ بين كون هذه الصور من المعاملات حلالًا أو حرامًا. ونرجو توضيح مدى حِل وحرمة هذه الصور من البيع:
1- رجل معه مال ولكنه لا يتاجر في نشاط معين، يذهب إليه من يريد شراء أي شيء؛ هاتف محمول أو جهاز عروس أو مواد بناء، كل السلع التي تتخيلها. عند شراء هاتف محمول على سبيل المثال يقوم الشخص الذي يريد الشراء بتحديد نوع المحمول الذي يريده ويقوم هذا الشخص بتعريف المشتري بسعر البيع نقدًا وتقسيطًا، ثم يقوم بتحرير عقد البيع وقبض جزء من ثمنه ويقوم المشتري بتحرير إيصالات الأقساط، وفي اليوم التالي يقوم هذا الرجل بإحضار الهاتف المحمول.
وفي أحيان أخرى يقوم بإرسال المشتري إلى محل يتعامل معه بعد الاتفاق وكتابة الإيصال، ليختار المحمول الذي يريده، ويأخذ الجهاز دون أن يدفع أي شيء للمحل، على أن يأتي الرجل بعد ذلك ويدفع النقد للمحل ويدفع المشتري الأقساط لهذا الرجل.
2- عندما أريد شراء ثلاجة بالقسط يأتي معي إلى محل وأقوم باختيار النوع الذي أريده ويدفع هو الثمن للمحل، وآخذ أنا الثلاجة إلى منزلي وأسدد له الأقساط بعد ذلك، وفي بعض الأحيان أحدد له ما أريد من النوع ويطلب مني أن أحضر بعد فترة ويكون هو قد قام بالشراء وحازها في بيته، ثم أدفع له المقدم ونبدأ في تحرير الاتفاق وتحديد الأقساط.
3- شخص يقوم بالتسليف ولكن عندما أذهب إليه يقول مثلًا إذا أخذت منه ألف جنيه يوم أن اقترضت المبلغ كانت الألف جنيه تشتري عشرة جرامات ذهبًا، وفي يوم السداد أعيد إليه قيمة ما يشتري عشرة جرامات ذهبًا، وفي حالة أن قيمة العشرة جرامات ذهبًا قلَّت عن ألف جنيه أسدد قيمة القرض الألف جنيه.
4- عند شراء سيارة إذا كان سعرها مائة ألف جنيه أقوم بدفع ما معي من المال، كأن يكون ما معي عشرون ألف جنيه فأدفعها، ويتبقى من ثمن السيارة ثمانون ألف جنيه، هذا المبلغ المتبقي يضرب في 2 ليصبح على أقساط 160 ألف جنيه وتختلف باختلاف المبلغ المدفوع، ومع هذا يقوم البائع بعمل حظر بيع على السيارة، فلا أستطيع كمشترٍ التصرف فيها إلا بعد سداد جميع الأقساط، وكذلك لا يكتب في العقد إلا ثمن السيارة الحقيقي الأصلي مائة ألف جنيه والمبلغ المدفوع 20 ألف جنيه والباقي 80 ألفًا، وكل الزيادات لا تُسجل في العقد ولكن بموجب شيكات.
ما هو الصحيح من غير الصحيح في هذه الصور؟ وما منها يُعد ربًا وما منها لا يُعد؟
وهنا بعض استفسارات:
1- هل من حقي الاتجار في كل النشاطات بدون تحديد نشاط معين مثل الصورة الموضحة؟
2- يدفع الشخص مقدمًا في البيع بالتقسيط، ولكن هل سعر التقسيط يجب أن يحدد بثبات، أم يمكن أن يتم تحديد سعر السلعة بالتقسيط حسب المقدم المدفوع ومُدَد السداد؟
نرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسائل، ونرجو تدعيمها بالدليل إذا كانت حلالًا أو حرامًا، ونستأذنكم في نشر هذه الفتوى بتصوير الرد وتعليقه في مساجد القرية. وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
بالنسبة لمعاملات التمويل، هذه المعاملات المذكورة يمكن تصحيحها على أساس بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو من العقود الشائعة في المصارف الإسلامية، ويمكن أن يلجأ إليه أصحاب الاستثمارات العامة أو الخاصة، سواء من الأفراد أو من الشركات.
وتتمثل صورة هذا البيع في أن يلجأ شخص ما- اعتباري أو حقيقي- إلى المستثمر المسلم معلنًا له رغبته في شراء سلعةٍ أو بضاعةٍ معينةٍ أو محددةٍ بصفات، مقابل ربح يتفقان عليه زيادةً عن رأس المال الذي سينفقه المستثمر في توفير هذه السلعة، وتكون العلاقة في هذه المرحلة أساسها التواعد وليس التعاقد حتى لا يبيع المستثمر ما لا يملك، فإذا ما اشترى المستثمر هذه السلعة ودخلت في ضمانه يبيعها للواعد بالشراء بالأجل أو على أقساط حسبما يتفقان عليه، ويجوز أن يكون الوعد ملزمًا من أحد الجانبين أي أن يكون أحد الطرفين ملزَمًا بإتمام الصفقة، ولكن لا يجوز أن يكون التواعد ملزِمًا من الجانبين لأنه يشبه العقد في هذه الحالة، ولا يجوز للمستثمر المسلم أن يبيع ما لا يملك، ففي حديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال له: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ».
ولا بأس بتوكيل المشتري في الذهاب إلى البائع وأخذ السلعة مباشرةً منه نيابةً عن المستثمر، ولكن الأولى أن يستوفيها المستثمر، ثم يُسلِّمها بنفسه أو بواسطة وكيلِه إلى المشتري الواعد بالشراء، وإذا تحقق استيفاء هذه التراتيب فلا فرق بين أن تتاجر بها في صنف واحد من السلع، أو في مختلف السلع المشروعة.
وهذا هو الأنموذج الذي ينبغي تصحيح هذه المعاملة على أساسه، ونسأل الله التوفيق للجميع.
بالنسبة للإقراض، هذه المعاملة المذكورة لا تشرع لأن الديون تُردُّ بأمثالها لا بقيمها؛ فمن أقرض بالجنيه يستوفي ما أقرضه بالجنيه أو ما يساوي قيمة هذا القرض من أي عملة أخرى، لكن على أساس سعر يوم الوفاء، فلا يجوز أن يكون القرض بعملة ثم يتفق من البداية على أن يكون الوفاء بعملة أخرى على أساس سعر يوم القرض؛ لحديث عبد الله بن عمر ب قال: كنت أبيع الإبل بالدنانير (أي مؤجلًا) وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن ذلك فقال: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَـمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ»(2).
أما بالنسبة للتقسيط، لا بأس بالبيع بالتقسيط وإن زادت القيمة فيه عن القيمة فيما يباع نقدًا، وللبائع أن يقدِّم عدةَ خيارات تقسيطية للمشتري، شريطة أن يتفقا على عقد باتٍّ وسعر باتٍّ من البداية؛ أي عند إبرام العقد. وأن ينصَّ في العقد على السعر المجمل للصفقة، وأن لا يتضمن أي ذكر للفائدة، ولا بأس أن يرتهن الشيء المبيع حتى يسدد المشتري الأقساط كاملة ولكن لا يجوز للبائع أن يشترط على المشترى غرامةً إذا تأخر في سداد بعض هذه الأقساط، بيد أن له أن يشترط عليه أنه إذا تأخر في تسديد بعضها أن تحل الأقساط جميعًا ثم يباع الشيء المبيع لسداد مستحقات البائع. ونسأل الله التوفيق للجميع. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/83) حديث (5555)، وأبو داود في كتاب «البيوع» باب «في اقتضاء الذهب من الورق» حديث (3354)، والترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء في الصرف» حديث (1242)، والحاكم في «مستدركه» (2/50) حديث (2285). وقال الترمذي: «العمل على هذا عند بعض أهل العلم أن لا بأس أن يقتضي الذهب من الورق والورق من الذهب، وهو قول أحمد وإسحاق. وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  وغيرهم ذلك»، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الربا والصرف, 06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend