اللهم احفظ شيخنا الكريم الشيخ صلاح لما يحبه ويرضاه، قال تعالى: { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْـخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»(1). وقال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ } [المائدة: 89].
قصتي: كان لديَّ شخصٌ بيني وبينه علاقةُ صداقة ومع مرور الزمن قررت الابتعاد، وألا أكلمه وأن أنهي علاقتي معه، وكان الأفضل أن أتركه حفاظًا على سمعتي وحياتي، فلستُ متأكدًا من الحلف بالطلاق حتى أبتعد عنه، ولكن قررت الابتعاد عنه بجميع الطرق، فمسحت رقمه من جوالي حتى لا أتصل عليه مرة أخرى.
ومع مرور الأيام جاء رقم غريب ليس باسم أعطاني رنة فقط، ولم يظهر الاسم بحكم مسح رقمه واسمه من جهازي، فعاودت عليه الاتصال؛ ظنًّا مني أن شخصًا آخر يتصل، ولو علمت أنه هو لم أرد ولم أتصل عليه، ولما اتصلت فسمعت صوته أغلقت مباشرة أغلقت الخط، ولم أتصل به ثانية، ولم أتصل به عمدًا، وإنما كان عن طريق الخطأ بحكم أن رقمًا غريبًا ظهر لدي بدون اسم، وظنًّا مني أنه شخص آخر، فقلت لنفسي: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة: 286]. هل اتصالي عليه بالخطأ يعد حنثًا أم لا؟
مع العلم أن الهدف منه هو إنهاء علاقتي معه والابتعاد عن هذا الشخص بخيره وشره، وإن كنت حانثًا هل أُكفِّر عن اليمين بحكم أن الهدف هو البعد أم لا أكفر؛ لأني حنثت بالخطأ؟ قرأت عدة فتاوى عن أن من حنث بالخطأ لا يعتبر حانثًا، فهل هذا صحيح أم لا؟
___________________
(1) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2801)، وابن حبان في «صحيحه» (16/202) حديث (7219)، والبيهقي في «الكبرى» (7/ 356) حديث (14871)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه». وقال البيهقي: «جوَّد إسناده بِشر بن بكر وهو من الثقات».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الراجح في ذلك أن من حنث في يمينه غالطًا فلا شيء عليه، ولا تلزمه كفارة؛ لقوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة: 286]. وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى قال: «قَدْ فَعَلْتُ»(1).
ولكن لعلك تراجع نفسك في مبدأ المقاطعة، فإن التهاجُرَ بين المؤمنين لا يحلُّ، إلا لأسباب دينية تقتضيه كما لو هجرت مبتدعًا أو فاجرًا، لما غلب على ظنك من أن الهجرَ سيؤدي إلى استصلاحِ أحواله، وردِّه إلى الجادة، أما التهاجُر لعداوات دنيوية فإنه لا يحلُّ؛ لحديث: «لَا يَحِلُّ لِـمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»(2). وحديث: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى الله كُلَّ اثْنَيْنٍ وَخَمِيسٍ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا إِلَّا امْرُؤ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرَا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»(3).
فراجع هذا الأمر، وتدبر خلاصك بين يدي الله عز وجل. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق» حديث (126) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «الهجرة» حديث (6077)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر» حديث (2560) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «النهي عن الشحناء والتهاجر» حديث (2565) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.