قبل أشهرٍ قليلةٍ تمَّ عقدُ زواجي على شابٍّ، وأنا على قناعةٍ بمن اخترتُ وتزوَّجتُ، وقد أحببتُه جدًّا، لكنه كثيرُ الشَّكِّ والظَّنِّ، وهو دائمًا من دون أيِّ سببٍ يُجبرني على الحَلِف على القُرْآن الكريم وبمختلف أشكال الأيمان، ودائمًا يُخيِّرني بين الطَّلاق ويميني، بمعنى أنني إن لم أحلف سوف يطلقني، ودائمًا يفهم كلامي بتفسيراتٍ غريبةٍ لا تُشبِهُ أبدًا ما أتكلَّم به، ويقول لي: إنني لا أحبُّه ولست على قناعةٍ به، وإنني أُحِبُّ شخصًا آخر.
ودائمًا عندما يغضب ينعتني بأفظع الألفاظ المُشينة ويطعن في شَرَفي بكلماتٍ مُحرَّمةٍ، وقد أخبرتُه بأغلب الأحداث التي مررتُ بها في حياتي من دون أيِّ سؤالٍ منه.
والآن وقبل يومين فاجأني بشيءٍ، فقد سألني: إن كنتُ قد أحببتُ شابًّا في يومٍ من الأيَّام أو أعجبت به، فأجبتُه بالنفـي، وقد أجبرني على أن أحلفَ على كتاب الله وبكلِّ الأيمان على صِحَّة ما قلتُ، لكن الـمُشكِلةَ أنني حلفتُ يمينَ غموسٍ على كتاب الله، فقد حلفت له على أنني لم يكن لديَّ أيةُ ميولٍ في يومٍ من الأيَّام لأي شابٍّ، وفي الحقيقة أنني كنتُ في أيام المراهقة في سن الخامسة أو السادسة عشر قد مِلْتُ إلى شابٍّ في نفس عمري لكنني لم أُفصح له، ثم قال لي أنه حرَّمني على نفسه إن لم أقل له الحقيقةَ، ولكنني لم أُفصح أيضًا، مع العِلْمِ بأنه وَعَدني أن يُسامِحَني وألا يُراجعني في هذا الموضوع في يومٍ من الأيَّام، لكنه لا يُوفِي بوعده.
أُريد حلًّا أو كفارةً عما قمتُ به، وهل حرمت عليه أم لا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل اللهَ أن يجعلَ لك من كَرْبِكِ فَرَجًا ومَخْرَجًا، وأن يُصلِحَ لك زوجَك، وأن يَرُدَّه إلى الجادَّةِ ردًّا جميلًا، اللهمَّ آمين.
أمَّا بالنِّسْبة لليمين التي أُلْـجِئْتِ إليها فطريقُك إلى التَّخلُّص من تَبِعَتِها هو التَّوْبة والاستغفار، وحقوق الرَّبِّ جلَّ وعلا مبنيَّةٌ على الـمُسامحة، وهو جلَّ وعلا أَكْرَمُ مَن سُئِل وأرأفُ من ملك، وهو الذي يقبل التَّوْبةَ عن عباده ويعفو عن السَّيِّئات(1).
ولكن الـمُشكِلةَ تتمثَّل في قولِ زوجِك أنه قد حرَّمَكِ عليه تحريمًا أبديًّا إن كنتِ كاذبةً فيما أخبرتِه به، والطَّرِيقُ إلى التَّعامُل مع هذه المشكلة يبدأ من الزَّوْجِ، فهو الذي بيده العِصْمة، وهو الذي أنشأ هذه الصِّيغة، ومن خلاله يبدأ حلُّ عُقدتها، فيبدو أنه لا مناصَ من ترحيل المشكلة إليه، وإخباره بحقيقة الحال، وبيان أنك عندما ألجأك إلى القَسَم حَمَلَتْكِ الرَّهْبةُ على إنكار علاقةٍ عابرة كانت في زمن الطَّيْش والمراهقة، ومثلها كثيرٌ في حياة المراهقين، والأصلُ أنه لا يُعيَّر تائبٌ بذنبٍ قد تاب منه(2)، وساعتَها يتسنَّى سؤالُه عن نيَّتِه، والشُّرُوع في خطوات التَّعامُل مع هذه القضيَّة وحَلِّها بإذن الله.
فاستخيري اللهَ على ذلك، وقُصِّي على زوجِكِ القصصَ. وأرجو أن يجعلَ الله لك بصدقك نجاةً ومَخْرَجًا إن شاء اللهُ، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]
(2) فقد أخرج إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/953) أن عائشة ل قالت: «إن الناس يُعيِّرون ولا يُغيِّرون وإن الله يُغيِّر ولا يُعيِّر».