القسم على قطع صلة

منذ عامٍ حدثت مشاجرة بين أولادي وعماتهم، وعندما نزلت من شقتي لكي آخذ أولادي انهالوا عليَّ ضربًا: عماتُهم وزوج عمَّتهم، مع العلم بأنني لست طرفًا في مشاكلهم، وأقسمت أن أقطع صلتي بهم، ورغم ذلك أرغمت أولادي على الاعتذار لهم لأنهم أهل أبيهم ولا يجوز لهم أن يُقاطعوهم، فهل عليَّ إثم لمقاطعتهم؟ مع العلم بأنهم ناسٌ يغتابون ويتكلَّمون في ما لا يخصُّهم، وعندما كنت أجلس معهم أُحِس أنني اقترفت ذنوبًا كثيرة، وشكرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فشكر اللهُ لك حرصك على تواصل أولادك مع عماتهم رغم الإساءة، فهذا خلقٌ كريم ونبل يُحسب لك، وأرجو أن يتقبَّله اللهُ منكم بقبولٍ حسن. أمَّا قسمك على قطع صلتك بهم فما ينبغي أن يكونَ اليمينُ مانعًا من البِرِّ والتَّقوى والإصلاح بين النَّاس، ولمثل ذلك نَزَل قولُه تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: 224]، وقد قال  صلى الله عليه وسلم : «إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْيَمِينِ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»(1).
وأما كونهم يغتابون النَّاسَ فلعلهم ينتهون عن هذه الغِيبة أثناء جلوسك معهم؛ لأنَّكِ تُذكِّرينهم بشؤمها وسوء منقلب أصحابها، والذي يُخالط النَّاسَ ويصبر على أذاهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن الـمُنكَر خيرٌ من الذي لا يُخالط النَّاس ولا يصبر على أذاهم(2)، واعتزال أصحاب المعاصي إِنَّمَا يكون بعد اليأس من استصلاح أحوالهم، وينبغي أن يكونَ لله عز وجل ، واعتزالك في هذا السِّياق فيه جزءٌ من الانتصار للنفس والغضب لها، فهو ليس لله خالصًا؛ فقد كنتِ تُخالطينهم من قبل أن تقع هذه الواقعة وقد كانوا يغتابون ويتكلمون فيما لا يخصُّهم، فما الذي تغيَّر، اللَّهُمَّ إلا ما وقع بينكم من فسادِ ذات البين؟! وفَّقك اللهُ إلى الخير ويسَّر لك أسبابه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (6623)، ومسلم (1649).

(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (2/43) حديث (5022)، والترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة الحوض» حديث (2507)، وابن ماجه في كتاب «الفتن» باب «الصبر على البلاء» حديث (4032) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الْـمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْـمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (939).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   17 الأيمان

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend