إن كلمة «الباءة» تعني المكان أو المحل أو البيت أو الموقع أو المسكن، وإليكم هذه الآيات القرآنية الكريمة كدليل على ذلك وكلها جاءت بمعنى المكان أو البيت أو المسكن أو الموقع:
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران: 121].
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [الأعراف: 74].
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: 87].
وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 56].
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26].
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [العنكبوت: 58].
ثانيًا: الأحاديث النبوية للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم التي جاءت فيها كلمة «الباءة» بمعنى البيت أو المسكن أو الموقع أو المنزل أو المحل هي:
«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ الله أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الله فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
«مَنْ عَادَ مَرِيضًا نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا».
لهذا، فإن الذي لا يوجد له مكان أو بيت أو مسكن أو مكان منعزل فلا يجب عليه الزواج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ». حتى إن الحَمْوَ وصفه بالموت، والحَمْوُ: أخو الزوج. وهنا إذا حدثت الخلوة بين أخي الزوج وزوجة الأخ فإن ذلك فيه المفسدة الكبيرة، وقد وقعت فواحش وكبائر الذنوب بسب هذه الخلوة بين أخي الزوج وبين زوجة الأخ، أو هناك أعمال أخرى يكون فيها الزوج غائبًا عن زوجته لفترات طويلة وتبقى الزوجة مع إخوة الزوج في نفس البيت وتعيش معهم تحت نفس السقف، مثل سائق الشاحنات الكبيرة الذي يسافر من بلد إلى آخر، أو البحارة، وغيرها من الأعمال، وكل هذه الخلوات فيها المفسدة، ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأحاديث صريحة، والعياذ بالله من الشيطان الرجيم. وإذا كان دخول الرجل على زوجة الأخ يسميه أو يصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالموت، فماذا يمكن أن نقول في الذي يعيش مع زوجة الأخ في نفس البيت وتحت نفس السقف ويكون الزوج غائبًا؟
لهذا، إن الذي لا يملك المكان أو البيت المستقل يجب ألا يتزوج؛ لأن وجود الزوجة مع إخوة الزوج في نفس البيت فيه المفسدة وقد تحدث الخلوة بين الزوجة وإخوة الزوج وهذا ما لا يرضى به الإسلام؛ لأنه الموت كما جاء في الحديث الشريف. ولهذا فإن عقد الزواج لا يصح في حالة عدم توافر البيت أو المكان المنعزل والمستقل للزوجين، أي «الباءة». وكما جاء لنا في الحديث الصحيح ونحن أطفال، تعلمنا من طائر الغراب كيف ندفن موتانا في القبور؛ لقوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة: 31].
واليوم يجب أن نتعلمَ نحن أبناء آدم من طائر العصفور الدوري وهو طائر يعيش مع الإنسان في كل مكان على الأرض أن نبني العش أو البيت قبل الزواج لأن العصفورة تبني عشًّا مريحًا في مكان آمن في أعالي أغصان الأشجار قبل أن تتزاوج وتضع فيه البيض وتفقس الأفراخ الصغار وتربيهم داخل هذا العش الآمن والمريح. وقد أبلغنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما أوحي إليه ومنه «الباءة» التي تعني: البيت أو المكان. وجزاكم الله تعالى ألف خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
جزاكم الله خيرًا على غيرتكم، ولا شك أن خلوة الأخ بزوجة أخيه من المنكرات ومن أعظم الذرائع إلى الوقوع في الحرام، وقد جرت العادة على التساهل في مثل ذلك فسمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم: الموت، عندما سُئِل عن الحَمْو، فقال: «الحَمْوُ الموْتُ». ونؤكد على ضرورة أن يهيئ الرجل لزوجته حدًّا أدنى من الظروف الملائمة التي تعينها على طاعة الله، وتحول بينها وبين الوقوع فيما يسخطه، ولكن هذا الذي نذكره من واجبات الزواج وليس من شروطه. والله تعالى أعلى وأعلم.
مدى صحة زواج من لا يمتلك بيت زوجية مستقل
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 05 النكاح