كثير من المسلمات الجدد يدخل أزواجهن السجن لفترات تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات ويردن الطلاق من أزواجهن، وتصرح المرأة أنها إذا لم تطلق فسوف تزني.
فما هي المدة التي يجب أن يفتى بها في الطلاق أو الفسخ في حين أن الأمريكية لو صبرت على غريزتها فلا يمكن أن تطول المدة عن ستة أشهر؟
كذلك إذا غاب الزوج عن زوجته غيبة لا يعرف بها مكانه فما هي المدة التي يفتى لها بالطلاق خلالها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إذا سجن الزوج ولم تطق زوجته على غيابه صبرًا فإنه يحل لها طلب الطلاق ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه، فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به كالقول في امرأة المفقود بلا نزاع.
أما المدة التي يحل لها أن تطلب بعدها التفريق فهي من مسائل الاجتهاد، فقد روي عن مالك(1) : أنه يتعين مرور سنة يتحقق فيها الضرر وتشعر المرأة فيها بالوحشة حتى يحق لها المطالبة بالتفريق.
وروي عن غيره: ثلاث سنوات.
وروي عن أحمد(2) أن لها طلب التفريق بعد ستة أشهر. وهو المختار لنا؛ لأنها أقصى مدة تستطيع المرأة الصبر فيها على غياب زوجها، وهو اجتهاد عمريٌّ سنَّه الفاروق رضي الله عنه .
وينبغي أن تطلب ذلك من الزوج أولًا؛ لأنه صاحب العصمة، فإن أجابها إلى ذلك فقد قضي الأمر، وإن أبى وأصر على إمساكها رفعت أمرها إلى القضاء إن كانت في بلد من بلاد المسلمين، أو إلى المركز الإسلامي إذا كانت خارج ديار الإسلام.
ولمن نصبته الجالية المسلمة للنظر في هذه القضايا ولاية التطليق على من يمسك زوجته ضرارًا بعد التثبت وتحقيق الوقائع والإعذار بضرب الآجال المناسبة عند الاقتضاء.
أما إذا غاب الزوج غيبة لا يعرف بها مكانه فإن للزوجة المتضررة بذلك طلب التفريق، وعلى القاضي أو من أقامته الجالية المسلمة للنظر في هذه القضايا تحري الأمر وتدقيق الملابسات وطلب البينة، فإن ثبت ذلك أمامه قضى بالتفريق بينهما.
والقول في المدة هو نفس ما سبق إيراده بالنسبة لزوجة السجين والأسير.
والله تعالى أعلى وأعلم.
____________
(1) جاء في «حاشية الدسوقي» من كتب المالكية (2/431): «(واجتهد) الحاكم بلا ضرب أجل إيلاءٍ (وطلق) على الزوج (في) حلفه (لأعزلن) عنها بأن يمني خارج الفرج (أو) حلفه (لا أبيتن) عندها لما فيه من الضرر والوحشة عليها، بخلاف لا أبيت معها في فراشٍ مع بياته معها في بيتٍ (أو ترك الوطء ضررًا) فيطلق عليه بالاجتهاد إن كان حاضرًا بل (وإن غائبًا) ولا مفهوم لقوله: ضررًا بل إذا تضررت هي من ترك الوطء طلِّق عليه بالاجتهاد، ولو لم يقصد الضرر يدل عليه قوله: (أو سرمد) أي دوام (العبادة) ورفعته فيقال له: إما أن تطأ أو تطلقها أو يطلق عليك (بلا) ضرب (أجلٍ) للإيلاء (على الأصح) في الفروع الأربع، لكن الغائب لابد من طول غيبته سنةً فأكثر، ولابد من الكتابة إليه إما أن يحضر أو ترحل امرأته إليه أو يطلق، فإن امتنع تلوم له بالاجتهاد وطلق عليه، ولا يجوز التطليق عليه بغير كتابةٍ إليه إن علم محله، وأمكن، ولا بد من خوفها على نفسها الزنا، ويعلم ذلك من جهتها لا بمجرد شهوتها للجماع».
(2) جاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (5/192-193): «(ولو سافر) الزوج (عنها لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره) للعذر ( بدليل أنه لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقتها)، أو وجد له مال ينفق عليها منه أو من يفرضها عليه (وإن لم يكن) للمسافر (عذر مانع من الرجوع و غاب أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك)… (فإن أبى أن يقدم من غير عذر بعد مراسلة الحاكم إليه فسخ) الحاكم (نكاحه نصًّا) لأنه ترك حقًّا عليه يتضرر به».