أنا صاحبة مشكلة «من السبب؟».
لم يتم زواجي، وخطيبي لم يصبر، وأبي لم يكف عن تكبُّره ومعاملة الناس بكافة الطرق السيئة، ولم يهتم لأمر حزني ولا ضيقتي.
فما الحل بالنسبة لي؟ هل أظل أعيش معه، أم أنتقل لأعيش بمفردي؟
مع العلم بأنه دائمًا ما يسافر ويتركني وحدي، وأنا أعول نفسي، فأنا أعمل لكي آكل وألبس وأعيش.
وكنت متفقة مع خطيبي أنني سوف ألبس النقاب بعد الزواج؛ لأنني سوف أترك العمل، ولكن الآن أنا أريد أن ألبسه، ولكن عملي يرفض النقاب، وموافق على الزي الشرعي فقط، فهل أترك العمل إلى حين أن أجد عملًا آخر يوافق على النقاب؟
مع العلم كما قلت سابقًا أنا متكفلة بجميع مصاريفي.
نفسيتي متعبة، ولا أكف عن أحلام اليقظة والنوم بخطيبي السابق، وكلما ارتحت أجد نفسي أعود مثلما كنت مرة أخرى.
أنا أذهب للجامع وأحفظ القرآن وأعمل، ولكنه لا يخرج من تفكيري.
ساعدني يا شيخنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأما ما مضى من قدر الله عز وجل فهذا هو اختيار الله لك، واعلمي أنه ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن: 11]، وجددي يقينك بأن اختيار الله لك أولى من اختيارك لنفسك، وأرجو أن يحمل لك المستقبل من عجائب ألطاف ربك ما لم يكن يخطر لك على بال.
أما مسألة الإقامة فمن الطبيعي في مجتمعاتنا الشرقية ووفق ثقافتنا الإسلامية أن تقيم الفتاة مع أوليائها، سواء أكانوا ينفقون عليها أم كانت ذات مال تنفق منه على نفسها.
والنقاب من أمور الخلاف بين أهل العلم، وإن احتجت إلى العمل لتوفير متطلبات الإعاشة فلا حرج في الترخص بنزعه تقليدًا لمن أجاز ذلك من أهل الفتوى ولم يعتبره من الفرائض.
واعمري وقتك يا بنيتي بالذكر وقراءة القرآن، واتخذي لك رفقة صالحة تشد عضدك وتعينك على تجاوز هذه الأزمة.
واعلمي يا بنيتي أن فوات خاطب أو زوج ليس نهاية العالم؛ فإن كل شيء في هذه الدنيا يولد صغيرًا ثم يكبر، إلا المصائب والمواقف المؤلمة فإنها تولد كبيرة ثم تصغر، ومن يتصبر يصبره الله(1)، و﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
أسأل الله أن يُسبِغَ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يفرغ على قلبك رضا وسكينة. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «الاستعفاف عن المسألة» حديث (1469)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «فضل التعفف والصبر» حديث (1053)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثمَّ سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده فقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».