أنا سألتك كثيرًا في موضوع زواجي، واستخرت، وكنت معك والحمد لله خطوة بخطوة، والآن وقد حجزت قاعة عقد القران، والحمد لله فرح إسلامي، ولكن أبي الذي كان يطلب من خطيبي طلبات مبالغًا فيها، ومع ذلك خطيبي لم يرفض ووافق، وأنا وعدته أني متنازلة عن كل شيء بالغ والدي في طلبه، ولكن الباقي من الوقت سبعة أيام على زفافي.
اتصل أبي بخطيبي وقال له كلامًا جارحًا ومسيئًا، ولم يقدر على تحمله خطيبي وكلمني وقرر أن يتركني؛ لأنه لن يستطيع تحمل طباع أبي السيئة، فهو شاب ملتزم وأبي غير ملتزم البتة. برجاء نُصحي ونصحه، فهو يقرأ هذا الموضوع ويثق في رأيك.
ووالله أنا لست على نهج أبي تمامًا، لكن غير قادرة أن أعترض أو أتكلم. برجاء مساعدتي يا فضيلة الشيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فطوبى لهذا الشاب، وهنيئًا له أن فتح الله عليه أبوابًا من العبودية اختصه بها واصطفاه لها: عبودية الصبر على الأذى، وكظم الغيظ مع القدرة على إنفاذه(1). وقد قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل: 126]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]، وقال تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43].
وعبودية استنقاذ فتاة مسلمة تحبُّ الله ورسوله من مناخ لا يُعينها على دينها، بل قد يسبب لها فتنة فيه.
فتلك أبوابٌ من العبودية اختصها الله به ويريد الشيطان أن يفسدها عليه، فلا ينبغي له أن يمكِّن عدوَّه من ذلك، وليهنأ بهذا الاصطفاء، وليواصل رحلة الصبر، فما بقيت إلا أيام، ويكون بعدها أملك بزوجته وأملك بقراره، وستنتهي مثل هذه المتاعب، فلا ينبغي أن يفوت على نفسه هذه العبوديات التي هيأ الله له أسبابها وفتح له أبوابها.
ونسأل الله لنا وله الهدى والتقى والعفاف الغنى. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (3/ 440) حديث (15675)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «من كظم غيظًا» حديث (4777)، والترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «في كظم الغيظ» حديث (2021)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «الحلم» حديث (4186) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُءُوسِ الْـخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْـحُورِ شَاءَ»». وقال الترمذي: «حديث حسن».