سؤالي قد يطول؛ فأرجو أن يتَّسِع صدركم له:
أنا متزوج منذ سنة، وقد حملَتْ زوجتي، وبعد الحمل بشهرٍ وجدتُها تنظر نظرةً بابتسامة لأحد الشباب في أحد المجالس وأثناء وجودي، وتريد أن تُقنعني بأنها لا تقصد، وأنني أفهم خطأً، فقلت لها: انظري لي نفس النظرة. فالعجيب أنها تهرب مني! وعمري ما رأيت منها مثلَ هذه النظرة التي رأيتها تنظرها لغيري، وقد تسبَّب هذا الموضوع في ضربي لها بشكل يومي، غير أن أهلَها كانوا غريبي الأطوار، ويتصنَّعون المشاكل فأعيش معهم في مشكلةٍ وهمية من صُنعهم، والنتيجة أنهم يقولون: إنه لا يوجد شيء بيننا وبينه، ومحدش عمل له حاجة غير أن البنت كانت لا تهتم بي وبأموري كزوج، وكانت أثناء الجماع تبعدني بيدها وتقول: إنها لا تحتمل الجماع. فشعرت نحوها بالرفض، مع أنها تقول: إنها تريدني ولا تدري لماذا هي تفعل كل ذلك؟
وطلقتها تطليقة واحدة، ولكنها صممت على الرجوع، وهي تعلم أنها مخطئة، وأرجعتها، ولكن أهلها عندما يأتون إلينا يريدون دخول بيتي بدون استئذان مني، مما يتسبب في حرق الدم لي ولزوجتي، من كثرة ما يُثار من مشاكل، وكانت تصرخ وتبكي مما يحدث من مشاكل.
كل تلك الأحداث أثناء الحمل، إلى أن مرضت بارتفاعٍ في ضغط الدم وتورمت قدماها، فذهبنا إلى الطبيبة وقالت لها: لابد من الولادة القيصرية. وطبعًا كانت في منتصف الثامن، ثم أكرمنا الله بطفلة عاشت أسبوعين فقط وتوفيت، وحمدتُ اللهَ وقلت: قدَّر اللهُ وما شاء فعل. ولكن بعد الوفاة بأربعة أيام جاء أبوها وأخوها وأحدُ أقربائها للتشاجر معي، فقمتُ بالدفاع عن نفسي وقلت وقتها للناس: إنهم السبب في وفاة ابنتي. فقالوا لي: اتقِ الله، أنت حتكفر. فقلت: لا أكفر، ولكن أعلم أن كل شيء بسببٍ، والله مُسبِّب الأسباب، والطفلة هم السبب في وفاتها، بسبب حرق الدم وحرق الأعصاب وكثرة المشاكل، غير مشاكلي مع زوجتي، مما تسبب كل ذلك في ارتفاع ضغط دمها ودخولها في تسمُّم الحمل.
فهل كلمتي هذه اعتراض على القدر مع أني لم أتصور أنها اعتراض ولا أقصد الاعتراض؟
غير أنني أشعر بالندم والذنب، وأعتقد أنني السبب في وفاة هذه الطفلة بسبب ضربي لزوجتي ليلَ نهار؛ لما كانت تفعله معي من إهمال، ونظرة عينيها لا أستطيع أن أنساها، فكان هذا يتسبب في ضربي لها لمدة ستة أشهر من بداية الحمل إلى الشهر السادس، ولكني مع ذلك كنت أضرب على القدمين باليد مرة، وبالحزام الخاص بالبنطلون مرة، وكنت كثيرًا أضرب على الوجه وعلى الكتف والذراع، أي أنني كنت أختار الأماكن التي لا تُسبِّب لها أذًى وللجنين، ولكن أشعر بأنني الذي قتلت طفلتي بجهلي وغضبي وغباء زوجتي.
المهم الآن قالت لنا الطبيبة: لابد من عمل بعض الفحوصات لبداية حمل جديد. ولكني أريد أن أطلقها خوفًا من خوض نفس التجربة معها، فلا أستطيع تصديقها أنها قد عرفت خطأها، وأنها سوف تعوضني ونعيش في سلام، فلا يوجد لدي ثقة في ذلك، وأخشى أيضًا أن أتسبب في وفاة الأخرى.
فهل فعلًا هذه الأحداث هي سبب وفاة البنت مع كامل يقيني أن كل شيء بقدر؟ ولكن لكل شيء سبب، حتى الموت هناك من يموت في حادث، فيكون السبب في الموت هو الحادث… إلخ.
فإنني في حَيْرة من أمري، ولا أرى حلًّا لهذا الموضوع غير الطلاق.
وهل عليَّ ذنب في وفاة الطفلة من كثرة الضرب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فماذا أقول لك؟! ستة أشهر من الضرب المتواصل! ومنه ما يكون على الوجه! الذي نُهِيتَ نصًّا عن الاقتراب منه عند التأديب؛ قال صلى الله عليه وسلم : ««إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»»(1)، وفي رواية عند «مسلم»: عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ««إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلَا يَلْطِمَنَّ الْوَجْهَ»»(2).
ثم تقول لأرحامك: أنتم الذين قتلتم ابنتي! إن كان هناك قاتل فهو أنت!! وإن اليد التي ظلت تستطيل طوال هذه المدة لجديرة- إن لم تتداركها رحمة من الله عز وجل- بشقاءٍ موصول وعقاب رادع مَهُول! وقد أصابتك مقدمات هذه العقوبة في فَقْد ابنتك! ولا أدري ما الذي تحمله لك الأيام والليالي في مستقبلها! فما مِن ذنب أجدر بأن تُعجَّل عقوبته من البغي وقطيعة الرحم(3)!
أظننتم أن أجسادَ المسلمين كَلَأً مباحًا لكم تستبيحونه على هذا النحو المتواصل بلا حريجة من دين أو ضمير؟! إنك الآن أمام محكمة ضميرك! وغدًا ستقف أمام محكمة ربك!
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: 42]، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ [الأنعام: 93].
ألستَ عبدًا لله عز وجل؟ أليست لك أخوات وذوات رحم؟ أَيَسُرُّكَ أن زوج ابنتك أو زوج أختك يستبيح أختك أو ابنتك على هذا النحو المقيت؟!
يؤسفني أن أقول لك وأرجو أن تحتمل شدتي: إنك وأمثالك قد جعلوا للمرأة قضيةً في بلاد المسلمين! وجعلوا الكاسيات العاريات من اليهود والنصارى يتبجحن بأن الإسلامَ قد ظلم المرأة! وليس هو الإسلام وربِّ البيت! ولكنهم الجهلاء بالإسلام، والآبقين على ربهم، والمارقين على شريعته!
نعم، لقد أذنبَتْ زوجتُك بهذه النظرة، ولكن ليس ذلك هو الذنب الذي لا يُغفَر، وليست الخطيئة التي لا تمحوها الأيام والليالي، وإذا لم تُطِق مغفرةً لهذا الزَّلَل فطلقوا إماء الله ولا تعذبوهن؛ فإن للحياة الزوجية طريقين لا ثالث لهما: فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان(4).
كما أنها أذنبت حين كانت تصدك عنَّها، اللهم إلا إذا كان هذا الصدُّ نتيجةً قهرية لوابل العقوبات التي صَبَبْتها عليها طوال هذا الأشهر الستة، وهي مُطالَبة بالتوبة إلى الله عز وجل، ورعاية حق الزوج، وأن تعلم أنه جنتها أو نارها(5).
ولا أرى لك أن تبدأ فحوصاتٍ لحمل جديد حتى تقف مع نفسك أولًا وقفة عميقة فاحصة: إما أن تكونَ قادرًا على إقامة حدود الله مع هذه المرأة، وقادرًا على أن تتجاوز أزمتك، وأن تستشعر خطيئتك، وأن تبكي عليها، وأن تبادر إلى توبة صادقة تمحو بها ما كان منك، وتستعيد بها عافيتك الإيمانية. وإلا فالتسريح بإحسان هو الحل الذي يُبقي لك على البقية الباقية من دينك، وقد قال ربُّك جل وعلا: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 130].
أسأل الله أن يهيئ لك من أمرك رشدًا، وأن يردك إليه ردًّا جميلًا، وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «العتق» باب «إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه» حديث (2560)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «النهي عن ضرب الوجه» حديث (2612) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) سبق تخريجه ضرب الوجه» حديث (2612).
(3) فقد أخرج البيهقي في «الكبرى» (10/35) حديث (19655) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعَ اللهُ فِيهِ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»، وأخرج الطبراني في «الأوسط» (2/19) حديث (1092) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا بلفظ: «إن أعجل الطاعة ثوابًا صلة الرحم، وإن أهل البيت ليكونون فُجَّارا فتَنمُوا أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامَهم، وإن أعجل المعصية عقوبةً البغيُ والخيانة»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/180) وقال: «رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو الدهماء الأصعب وثقه النفيدي وضعفه ابن حبان».
(4) قال تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229].
(5) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (4/341) حديث (19025)، والحاكم في «مستدركه» (2/206) حديث (2769)، من حديث الحصين بن محصن رضي الله عنه : أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟» قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: «فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ»، وقال الحاكم: «صحيح ولم يخرجاه»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» (1509).