ما حكم سفر المرأة برًّا مع عوائل في حافلة نقل أو في الطائرة؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
جمهور أهل العلم على المنع من سفر المرأة بغير محرم، للنصوص الواردة في ذلك، ففي الصحيحين عن ابن عباس ب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْـمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا. قال: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ».
وأخرج الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أنْ تُسافر المرأةُ مَسِيرة يومين إلا ومعَها زوجُها أو ذُو مَحْرَمٍ.
وبعضهم ربط ذلك بالعلة، وهي الخوف من الفتنة وعدم أمن الطريق، فإذا أمِنَتِ الفتنة وأمن الطريق فلا حرجَ، ومِن هؤلاء من يجعل ذلك خاصًّا بالسفر الواجب (سفر الحج أو العمرة)، ومنهم من يجعله مطَّردًا في كل سفر مباح، ومما استدلوا به على ذلك:
أولا: ما رواه البخاري في «صحيحه» أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حَجَّةٍ حجَّها، فبعث معهُنَّ عثمانَ بن عفان وعبدَ الرحمن بن عوف. فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساءُ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يُنكِر غيرُهم من الصحابة عليهنَّ في ذلك. وهذا يعتبر إجماعًا.
ثانيًا: ما رواه البخاري من حديث عَدِيِّ بن حاتم، فقد حدَّثه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع مناره في الأرض. فكان مما قال: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْـحِيرَةِ (بالعراق) تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا زَوْجَ مَعَهَا، لَا تَخَافُ إِلَّا اللهَ…» إلخ. وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضًا؛ لأنه سِيق في مَعرِض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.
ولكل واحد من الفريقين مناقشاته على أدلة الفريق الآخر وتوجيهاته لها، والذي نراه أن الأصل هو المنع من سفر المرأة بعير محرم عملًا بالأدلة التي ذهب إليها الجمهور، اعتبارًا لما تتضمنه من صيانة الحرمات، ويبقى القول بالإباحة رخصة فقهية يلجأ إليها الفقيه عندما تَمَسُّ الحاجة إلى التيسير لأسباب تقتضيه، وبذلك تأتلف النصوص الواردة في هذا الباب، والله تعالى أعلى وأعلم.