يا شيخ أسألك بالله أن تساعدني؛ أنا في ضيق شديد؛ أنا تغربت عن وطني وأعيش في أوروبا، وأنا وقعت في الزنى وتبتُ إلى الله توبةً نصوحًا، ولكن هنا الزنى عندهم أمرٌ عادي جدًّا لأن الفتيات هن الذين يتقربون إلى الشباب، وأنا بعد توبتي أصلي الصلوات الخمس، وأقرأ سورة ياسين يوميًّا، وأصلي على سيدنا محمد كل يوم، وأتلو القرآن، ولكن نفسي لا تتحمَّل لأن الأمر صعبٌ جدًّا، والله العظيم لا أدري ما هو الحلُّ وأنا سمعت عن زواج المسيار، فهل هو حلال أم حرام لأني أخاف الله؟
سيدي الشيخ أعنِّي بالله فإني ضائع، وأكثرَ من حلٍّ جربتُ؛ مثل الصيام والعزلة في البيت، ولكن لم ينفع الأمر، ما هو الحلُّ؟ هل زواج المسيار حلالٌ أم لا؟
وأتمنى منك رحابةَ صدرك في شرحك لي عنه؛ لأني لا أعرفه جيدًا، وشكرًا جزيلًا.
وأنا أسأل عن هذا من أجل أن لا أقع في الزنى مرةً ثانية؛ لأني عبدٌ مؤمن وعربي أصيل، ولكن الحربَ في سوريا هي ضيعتني، وأتمنى منك الشرحَ الكافي والوافي وأن يكون بالحلال.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله يا بنيَّ أن يتقبَّل توبتك، وأن يغسل حوبتك، وأن يقيل عثرتك، وأن يهيِّئ لك من أمرك رشدًا، وأن يرزقك من ضيقك فرجًا ومخرجًا، اللهم آمين.
لا شك أنَّ الحلَّ الأمثل لحالتك يا بنيَّ هو الزواج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(1).
وزواج المسيار يا بني هو زواج عاديٌّ، استكمل أركانَه وشروطَ صحته من الولي والإشهاد والمهر والعلانية ونحوه، إلا أنه تنازلت فيه المرأة عن بعض حقوقها في القَسمِ في المبيت والنفقة، وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار.
فقد تكون المرأة غنيَّة لا تحتاج إلى نفقة، ولكنها تحتاج إلى أنيس تعتمد عليه في حياتها نفسيًّا وعاطفيًّا ويعينها على أمر دينها، وتحصل من خلاله على العفاف المشروع الذي يترتَّب على الزواج، وقد ترتضي أن يأتيها بعض الوقت على ما تيسر له، ولا تصر على القسم في المبيت والنفقة.
وقد أصدرَ المجمعُ الفقهيُّ الإسلامي التابعُ لرابطة العالم الإسلامي قرارَه في زواج المسيار فقال:
يُؤكد المجمع أنَّ عقود الزواج الـمُستحدثة وإن اختلفت أسماؤها، وأوصافها، وصورها، لابد أن تخضع لقواعد الشريعة المقررة وضوابطها، من توافر الأركان، والشروط، وانتفاء الموانع.
وقد أحدث الناس في عصرنا الحاضر بعض تلك العقود المبينة أحكامها فيما يأتي:
1- إبرام عقد زواج تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة والقَسْم أو بعض منها، وترضى بأن يأتيَ الرجلُ إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار.
ويتناول ذلك أيضًا:إبرام عقد زواج على أن تظلَّ الفتاة في بيت أهلها، ثم يلتقيان متى رغبا في بيت أهلها أو في أي مكان آخر، حيث لا يتوافر سكنٌ لهما ولا نفقة.
هذان العقدان وأمثالهما صحيحان إذا توافرت فيهما أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع، ولكن ذلك خلاف الأولى.
فالزواج بهذه المعنى وإن كان مشروعًا إلا أنه خلافُ الأولى، ويخشى أن يفتح بابًا إلى ابتزاز المرأة والصيال على حقوقها، وعلى مفهوم الأسرة المستقر، والذي يعني المسئولية الكاملة عن البيت سكنًا ونفقةً وإعاشةً، والذي يعني العدلَ في المبيت والنفقة في حالة تعدُّد الزوجات.
ولست يا بني مضطرًّا إلى ذلك، فلتُحسن اختيار الفتاة التي ترتبط بها، وتنوى استدامة العشرة، والقيام بواجباتك معها في حدود الوسع والطاقة، وعليك أن تكون صادقًا في عرض ظروفك المادية والحياتية عليها، فإن قبلت بذلك فعلى بركة الله، ولا بأس أن تتقاسما معًا مسئولية النفقة على البيت، إذا وقع الاتفاق بينكما على ذلك.
ونسأل الله يا بني أن يهيئ لك زوجةً صالحةً تستعين بها على غضِّ بصرك وإحصان فرجك. ونوصيك بالدعاء، وتحيُّن ساعات الإجابة. ونسأل الله لك الهدى والتقى والعفاف والغنى. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «من لم يستطع الباءة فليصم» حديث (5066)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه» حديث (1400)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.