تقدم شاب إلى خِطبتي، ولكنه يريد أن يري شعر رأسي، فهل هذا يجوز؟
وإذا كان لا مانع أن يراه ولكن والدي يرفض، هل أستطيع أن أخالف أمر والدي وأطلعه على شعر رأسي دون علم والدي؟
مع العلم بأنه شاب جاد وتقي وأنا واثقة من ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن جماهير أهل العلم على أنه يرخص للخاطب في رؤية الوجه والكفين من المخطوبة؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي ﷺ، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوَّج امرأةً من الأنصار، فقال له رسول الله ﷺ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟». قال: لا. قال: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»(1).
قال الإمام النووي : في شرح هذا الحديث: «فيه استحبابُ النظر إلى وجه من يُريد تزوُّجها، وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء.
ثم إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط؛ لأنهما ليسا بعورة؛ ولأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده، وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها. هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين.
وقال الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم.
وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها، وهذا خطأ ظاهر مُنابِذٌ لأصول السنة والإجماع»(2).
وعند الحنابلة(3) وجهٌ بجواز النظر إلى ما يظهر منها عادة وهي في ثياب مهنتها، فأجازوا النظر إلى الشعر والرقبة والساقين ونحوه.
وقد ذكر الحافظ شمس الدين ابن القيم : في «حاشيته» عن أحمد ثلاثَ روايات فيما يجوز للخاطب أن ينظر إليه من جسم المخطوبة، فقال: «إحداهن: ينظر إلى وجهها ويديها. والثانية: ينظر إلى ما يظهر غالبًا كالرقبة والساقين ونحوهما. والثالثة: ينظر إليها كلها عورة وغيرها؛ فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة»(4).
فإن تخبَّأ الخاطب للمخطوبة ورأى منها ما يرغبه في نكاحها فوق الوجه والكفين جاز له ذلك؛ لحديث جابر بن عبد الله قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ». قال: فخطبت جارية، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها(5).
وفي رواية: فخطبت جارية من بني سلمة، فكنت أتخبأ لها تحت الكَرَب(6)، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها(7).
أما المخطوبة فينبغي لها إن أرادت أن تُمكِّن خاطبها من ذلك أن تجعل ذلك بالترتيب مع وليها؛ لأنها في ولايته، وهو صاحب الإذن في الدخول عليها وفي التعامل معها، ولا يجوز لها أن تخلو مع رجل أجنبي، سواء أكان خاطبًا أم غير خاطب. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «النكاح» باب «ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها» حديث (1424).
(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (9/210).
(3) جاء في «الإنصاف» (8/16-19): «قوله: (النظر إلى وجهها) . يعني فقط من غير خلوة بها… وعنه: له النظر إلى ما يظهر غالبًا، كالرقبة، واليدين، والقدمين. وهو المذهب… وقيل: له النظر إلى الرقبة، والقدم، والرأس، والساق. وعنه: له النظر إلى الوجه والكفين فقط».
(4) «حاشيته» (6/68).
(5) أخرجه أبو داود في كتاب «النكاح» باب «في الرجل ينتظر إلى المرأة وهو يُريد تزويجَها» حديث (2082)، والحاكم في «مستدركه» (2/179) حديث (2696)، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».
(6) سعف النخل. «المعجم الوسيط» (كرب).
(7) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/334) حديث (14626)، وأبو داود في كتاب «النكاح» باب «في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها» حديث (2082)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/21) حديث (17389) من حديث جابر بن عبد الله ب، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2082).