كنا نسمع من بعض العلماء أن التَّعدُّد مباح للرجل في حالة وجود سبب ما، وكان بعض الرجال أو معظمهم يقولون على هؤلاء أنهم علماء سوء مبتدعة، ولكن عندما أتأمل في آية التعدد في سورة النساء في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، أجد فعل شرط «إن خفتم» ثم جواب شرط «فانكحوا». هذه واحدة؛ وإن كان الزوج عنده زوجة ترعاه وترعى بيته وترعى شهوته على أكمل وجه وعنده ولدين شباب وإمكاناته المادية محدودة الأولى أن يساعد أولاده أم يتزوج هو؟ أرجو الإفادة أثابكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، بين لنا حكمَ زواج الرَّجُل باليتيمة تكون في حِجره، فيعجبه مالها، وجمالها، ويخاف أن لا يُعطيها مهرَ مثلها، فأمره الله أن يعدل عنها إلى غيرها من النساء، فإنهن كثير، ولم يضيِّق الله عليه، بل أباح له أن يجمع بين اثنتين، أو ثلاث، أو أربع، ما لم يخف الجَوْر، فإن خاف الجور فلينكح امرأةً واحدة، أو ما شاء مما ملكت يمينه من الإماء، لأنه لا يجب العدلُ بينهن.
وقد روى البخاري عن عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى:{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حِجر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه مالها، وجمالها، فيريد وليُّها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن(1).
فلا علاقة للآية بما تتحدثين عنه يا أمة الله، ولابد قبل التكلُّم في الآيات من معرفة سبب النزول، حتى يكون الكلام في الآية على بصيرة، وحتى لا نقول في كتاب الله بالرأي، فإن «مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ»(2).
وليس صحيحًا أن يقال: إن الله قد ربط التعدُّدَ بأسباب وظروف خاصة لا يسوغ إلا إذا تحققت، بل إن الله ربط ذلك بالاستطابة{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، وبالقدرة على العدل، {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، والعدل المقصود هو العدل الممكن في حدود الطاقات البشرية، وليس العدل المطلق، لأن العدل المطلق ليس بمقدورٍ { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]. فليس هو المقصود إذن في هذا الباب، وإلا كان التعدُّدُ حرامًا.
بقيت مسألة أخرى: وهي أن من جمع الله قلبه على امرأة حقَّقت له العفاف، ورزقه الله منها الولد، فخير له في زمننا هذا أن يقنع بها، ونحن بهذا لا نحرِّم ما أحل الله، معاذ الله! ولكن نتحدث عن تجارب بشرية معاصرة، قادت كثيرين إلى هذه النتيجة، ويبقى التعدُّد مباحًا لمن قوي على شرطه وهو العدل. فإن الذي ابتلى النساء بالغَيْرَة ابتلى الرجال بالعدل، وسبحان الحكم العدل اللطيف الخبير. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى» حديث (4574).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «العلم» باب «الكلام في كتاب الله بغير علم» حديث (3652)، والترمذي في كتاب «تفسير القرآن» باب «ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه» حديث (2952) من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه.