بالنسبة لعصمةِ الطلاق، هل مِن الممكن أن تكون في يدِ المرأةِ؟ وماذا عن الزواج الذي تم والعصمةُ بيد المرأة وليس الرجل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن جعل العصمة بيد الزوجة بشرطٍ في العقد متى شاءت طلَّقت نفسَها: شرط باطلٌ؛ لمخالفتِه لمقتضَى العقد، في الصحيح من قولي العلماء، وبطلانُ الشرطِ لا يعني بطلانَ العقد؛ فإن الزواج صحيحٌ ولو تضمَّن مثلَ هذا الشرط الفاسد، ويكون الكلامُ في مدى صحةِ هذا الشرط أو عدم صحته، وقد تبيَّنتَ أن الشرطَ باطلٌ.
وأما تفويض الزوج أو توكيله للزوجةِ أو غيرِها في طلاقها بعد ذلك فهو جائزٌ عند الجمهور(1)، على خلافٍ بينهم في تقييد ذلك بالمجلس، وحق الزوج في الرجوعِ فيه، والأَولى عدمُ جعلِ عصمةِ النكاحِ بيد الزوجةِ؛ نظرًا لطبيعةِ المرأةِ العاطفيةِ، التي قد تدفعها لإساءةِ التصرف؛ فتطلِّق نفسها لأهون الأسباب، وتهدم عُشَّ الزوجية.
قال ابن رشد في «بداية المجتهد»: «لأن العلة في جعلِ الطلاقِ بأيدي الرجالِ دونَ النساء هو: لنقصان عقلهن، وغلبةِ الشهوة عليهن، مع سوء المعاشرة»(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) جاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (3/314-317): «(قال لها اختاري أو أمرك بيدك ينوي) تفويض (الطلاق) لأنها كناية فلا يعملان بلا نية (أو طلقي نفسك فلها أن تطلق في مجلس علمها به) مشافهة أو إخبارا (وإن طال) يوما أو أكثر ما لم يوقته ويمضي الوقت قبل علمها».و جاء في «حاشية الصاوي» من كتب المالكية (2/593-595): «(للزوج تفويض الطلاق لها): أي للزوجة (أو لغيرها توكيلًا)… أي تفويض توكيل (وتمليكًا وتخييرًا)».وجاء في «حاشيتي قليوبي وعميرة» من كتب الشافعية (3/330-331): «فصل: له تفويض طلاقها إليها كأن يقول لها طلقي نفسك إن شئت. والأصل فيه أنه صلى الله عليه وسلم خير نساءه بين المقام معه وبين مفارقته، لما نزل قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا} إلى آخره».وجاء في «شرح الزركشي» من كتب الحنابلة (5/410-411): «قال: وإذا قال لها: أمرك بيدك. فهو بيدها وإن تطاول، ما لم يفسخ أو يطأها. ش: للزوج أن يطلق امرأته بنفسه، وله أن يوكل في ذلك، كما يوكل في عتق عبده ونحوه، وله أن يوكل المرأة كالأجنبي، فإذا قال لها: أمرك بيدك. فتارة يقصد بذلك تنجيز طلاقها، فتطلق في الحال، وماذا تطلق؟ ينبني على ما تقدم في الكنايات الظاهرة، وتارة يقصد بذلك تفويض الطلاق إليها، فهذا نوع توكيل لها في الطلاق، فتملك ذلك على التراخي».
(2) «بداية المجتهد» (2/55).