توبة فتاة غرر بها في الزنى

أنا فتاة أبلغ من العمر ١٩ سنة، خرجت مع شاب قد تقدم بالزواج بي لكن ظروفه الآن تجعلني أشكُّ بأننا سنتزوج، أهله في رفض شديد لي لأنني من غير دولة. سؤالي، أنا خرجت معه وطلب مني أن أذهب إلى منزله، ترددت كثيرًا وقلت له أنني لا أريد أن يلمسني بتاتًا ولا حتى يدي، قال لي سنطبخ ونشرب قهوة ونغادر، وافقت بعد أن حلف لي أنه لن يلمسني، كنت متوضئة عندما ذهبت لأنني لم أشأ أن أؤخر صلاتي؛ لما ذهبت لبيته كان أول فعل له أنه أخذني بقوة إلى السرير وكنت أحاول أن أبعده بكل الطرق فلم أستطع، أنا لم أخش الموت لو قاومته أكثر لكنه كان يضع أصبعه في عيني لكي أفقد سيطرتي، ومن كثرة الألم استسلمت له، كنت أقول له حرام أنت زاني، وكنت أستغفر الله أثناء دخوله بي، أنا لم أرغب بالجماع أبدًا وكنت أرتدي عباية وحجاب ولم أضع أي مكياج، أنا أحس بالذنب الكبير واعتبرت روحي زانية ولا أعلم إن كنت زانيةً أم لا؛ لأنني بعد أن أكمل حاولت الهرب لكنه أمسك بي مرة أخرى وعاود فعلته وقد خبأ مفتاح سيارتي.
أنا في أمريكا وليس حولي الكثير من المصادر الإسلامية لأفهم حكم قصتي، أنا أحس بالعار وأنني أخطأت بذهابي معه وندمت كثيرًا، لكني أُحس بالعار واستحيي أن أواجه الله وأقول له أن يسامحني لأنني لم أسامح نفسي، لا أعلم ماذا أفعل، أنا متعبة، ولو لم يتزوجني- وهذا احتمال كبير، مع أنه تقدم لي لكن لم نقرأ الفاتحة- فسيكون حالي سيِّئًا.
هل أعتبر زانية؟ فأنا ذهبت معه وهيأت الجو لكل هذا، أنا كنت أستغفر الله عندما جامعني وكان همي الوحيد هو ذنبي وموقفي مع الله، أنا تائهة وأستغفر الله، لكن أريد أن أعلم هل أعتبر زانيةً أم لا، هل أعتبر قد فعلت واحدة من الكبائر أم لا؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد كانت بداية الخطيئة خروجكما معًا على انفراد، ثم تجرُّ البدايات الخاطئة دائمًا إلى ما بعدها، ولهذا قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] ولم يقل: ولا تزنوا.
لقد جرَّت هذه البداية الخاطئة إلى الخطوة التالية، دعوتك إلى الذهاب معه إلى المنزل، وإلى الانفراد به في خلوة تامة، لمجرد الطبخ وشرب القهوة كما زعم. ثم وقعت الواقعة وكانت الكارثة، عامَلَهُ الله بما يستحق، وصلوات الله على من قال: «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا»(1).
أما الآن فلا يزال طريق التوبة مفتوحًا؛ فإن للتوبة بابًا فتحه الله عز وجل ولا يستطيع أحد من البشر أن يُغلقه إلى أن تطلع الشمس من مغربها(2), وإن ابن آدم لو جاء بقراب الأرض خطايا ثم أتى ربه تائبًا منيبًا إليه لأتاه ربه بقرابها مغفرة(3).
فتوبي إلى الله عز وجل، واعلمي أن للتوبة أركانًا ثلاثة: إصلاح الماضي بالندم، وإصلاح الحاضر بالإقلاع عن الذنب، وإصلاح المستقبل بالعزم على عدم العودة إلى ذلك الذنب أبدًا.
وإياك ثم إياك أن تُسوِّلَ لك نفسك الخروج مع شابٍّ بحجة الخطبة أو التفاهم على الزواج وقد رأيتِ ماذا جرَّه عليك هذا التفكير، بل لو تمت الخطبة فهي مجرد تواعد على الزواج، والخطبة لا تحلُّ حرامًا في العلاقة بين المخطوبين، فلا تزال الفتاة أجنبية عن خاطبها إلى أن يعقد عليها.
ولعل هذا الموقف الدقيق يكون حافزًا لك على البحث عن بعض حلق العلم، ومدارسة بعض الكتب الإسلامية حول فقه الزواج والسعي إلى الارتباط بجماعة المسلمين في منطقتك، فاعرفي يا بنيتي الطريق إلى المسجد وادعمي نشاط الجالية المسلمة، وكوني على مقربة من هذه البيئة الطاهرة.
ونسأل الله جل وعلا أن يُقيل عثرتك، وأن يغسل حوبتك، وأن يغفر خطيئتك. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 18) حديث (114) ، والترمذي في كتاب «الفتن» باب «ما جاء في لزوم الجماعة» حديث (2165) ، والحاكم في «مستدركه» (1/ 199) حديث (390) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح». وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 302) وقال: «أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح من حديث عمر»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (2165).

(2) فقد أخرج مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «استحباب الاستغفار والاستكثار منه» حديث (2703) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ».
وأخرج أيضًا في كتاب «التوبة» باب «قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب» حديث (2759) من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
وأخرج أبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في الهجرة هل انقطعت» حديث (2479) من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تَنْقَطِعُ الْـهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا». وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (2479).

(3) فقد أخرج الترمذي في كتاب «الدعوات» باب «في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله» حديث (3540) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 114) وقال: «أخرجه الترمذي وهو حديث حسن».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة, 15 الحدود

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend