أنا شابٌّ مُقبِلٌ على خطوبة من أسرة متدينة وملتزمة، وفي الاتفاق سوف يتمُّ عزلُ الرِّجال عن النِّساء في الخطوبة، ولكن مخطوبتي تُريد أن تتزين على أساس أنه يوجد عُزلة بين الرِّجال والنِّساء، فهل هذا جائز؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فجزاك اللهُ خيرًا على حرصك وتحرِّيك، ونسأل اللهَ أن يُبارك لك في خطوبتك هذه، وأن يجمع بينكما في خيرٍ، ولا حرج في أن تضعَ المرأة شيئًا من الزينة ما دامت في أوساطٍ نسائية بحتة، فلا تحجر واسعًا بارك الله فيك، ونفع اللهُ بك.
وفي الباب حديث سبيعة الأسلمية، وهو يدلُّ على ما هو أوسع من ذلك وأبعد منه مدًى، فقد روى الشيخان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخلَ على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسولُ الله ﷺ حين استفتته، فكتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عتبة يُخبره أن سبيعةَ أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرًا فتُوُفِّي عنها في حجة الوداع وهي حاملٌ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تَعَلَّتمن نفاسها(1) تجمَّلت للخُطَّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك- رجلٌ من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك مُتجمِّلةً، لعلك تَرْتَجِين النِّكاح، إنك والله ما أنت بناكحٍ حتى تمرَّ عليك أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيتُ فأتيت رسولَ الله ﷺ فسألتُه عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللتُ حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
قال ابن شهاب: «ولا أرى بأسًا أن تتزوَّج حين وضعت وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها زوجُها حتى تطهر»(2).
قال الشَّيخ الألبانيُّ :: «وفي الحديث فوائدُ فقهية أخرى ساق الحافظ الكثيرَ الطيب منها، كقولِه: وفيه جوازُ تجمُّل المرأة بعد انقضاء عدَّتها لمن يخطبها؛ لأن في رواية الزهريِّ عند البخاريِّ: فقال ما لي أراكِ تجمَّلتِ للخُطَّاب. وفي رواية ابن إسحاق: فتهيَّأت للنِّكاح واختضبت. وفي رواية معمر عن الزهريِّ: وقد اكتحلت. و في رواية الأسود: فتطيَّبت وتصنَّعت»(3).
فلا يخفى أن في الأمر شيئًا من السَّعَة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) أي طهرت منه. «شرح النووي على صحيح مسلم» (10/109).
(2) «صحيح مسلم» كتاب «الطلاق» باب «انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها» حديث (1484).
(3) «السلسلة الصَّحيحة» (2722).