أبي الذي سيكون الولي لي في عقد النكاح غدًا، آخر ما أعلم عنه أنه يصلي الفجر فقط، ويتكاسل عن الصلوات الأخرى، وأنا أظن أن هذا لا يجعله كافرًا؛ لأن الله قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
فهو حقيقة يُصلي لكن فقط صلاة واحدة يصليها، وليس منكرًا للصلوات الأخرى، وأنا أعلم أن الأغلب من العلماء يقولون بعدم كُفرِ والدي، وأنه يجوز أن يكون وليًّا لي عند العقد غدًا، لكن أخاف أن لا أجعل أبي الوليَّ لي فلا نكاح إلا بولي، وأبي هو أحق الناس بتزويجي، لكن على قول من قال أنه كافر لا يجوز تزويجي ما دام بهذا الحال.
فهل يجوز لي أنا وخاطبي أن نمتنع عن الصلاة في ذلك اليوم ثم العودة لها بعد العقد الشرعي؟ فحينها يكون نكاحَ مرتدين حسب العلماء الذين يكفِّرون تاركَ الصلاة وبعدها نلتزم بالصلاة بإذن الهأ طيلة العمر؟ مع العلم أن الشهود مصلون ملتزمون، ولا يوجد شهود غير مصلين إلا قليلًا.
ثم حسب رأي من يُكفِّر والدي فإن أمي تعيش معه في الحرام، فكيف ألزمه أنا بالصلاة، وما ذنبي أنا وكيف يتمُّ تزويجي؟ فهل يجوز لي تركُ الصلاة أنا وخاطبي ثم نعود لها بعد العقد الشرعي؟
كيف يمكن أن يكون نكاحُنا صحيحًا حسب جميع المذاهب المعتبرة؟ وهل يجوز أن يكون الإشهاد على الزواج من قِبَل الأعمام والأخوال والأخوات البالغات وإخوة العريس البالغين وأبيه وأمه؟ وهل يجب أن يكون على الأقل شاهدان من الشهود غير المصلين؟ أفتونا مأجورين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذا الذي تقولينه هو الجنون بعينه، ويؤسفني أنني لم أجد تعبيرًا آخر يناسب هذه الموقف أشدَّ من هذه الكلمة، والحمد لله الذي أبعدك عن مجال الفتيا، وإلا كنت أضعت أمَّة محمد بمثل هذا الجنون.
هل يصدِّق أحدٌ أن التفكير ينتهي بأخت ملتزمة أن تقول: نكفُر احتياطًا حتى يصحَّ عقدُ نكاحنا، إن الزنى وبطلان العقد أهون من الكفر والردة!
إن زواجك بغير ولي أهون من الكُفر والردة، فقد قال بصحة الزواج بغير ولي من الأئمة أبو حنيفة، وذلك إذا زوَّجت المرأة البالغة العاقلة الرشيدة نفسَها من الكفءِ بمهرِ المثل.
وإن تزويج والدك لك مختلفٌ فيه، بناء على الاختلاف في كُفرِ تارك الصلاة، وجمهور العلماء يقولون بفِسقه وليس بكُفرِه، ويجوِّزُون أن يكون الأبُ الفاسقُ وليًّا في عقد النكاح، فهل نهرب من أمر مختلفٍ في صحته، إلى أمر يتفق أهل الإسلام قاطبة على بطلانه وجنون من يفعله، فتكونين كالمستجير من الرمضاء بالنار.
والعجيب أنك لا تكتفين برِدَّتك، وردة خطيبك، بل تبحثين عن شهودٍ مُرتدِّين، ليكتمل المشهد المأساوي الكُفرِي، وليكون مشهدًا كفريًّا تاريخيًّا تبدئين به عقد زواجَك، فيالله العجب! ما هذا العبث؟! ما هذا التخبُّط؟!
والخلاصة: إن تيسَّر أن يكون الوليُّ في عقد الزواج أحدٌ ممن يلي الوالدَ في ترتيب الأولياء من أصحاب الديانة والصيانة، كأحدِ الإخوة أو الأعمام، بالتنسيق مع الأب والتشاور معه فذلك حسَنٌ، وإلا فلا بأس في أن يلي والدُك أمرَ زواجك. ونسأل الله لكم التوفيق.
هذا ولا تكون الولاية في عقد الزواج إلا للعصبات، وهم الأقارب من جهة الأب، وهم على الترتيب: الآباء، فالإخوة، فالأعمام.
ونقول لكما مقدمًا: بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير. والله تعالى أعلى وأعلم.