امرأة كتابية متزوجة من كتابيٍّ وبينهما طفلة، والزوج مسجون منذ سنوات. وشرَح الله صدرها للإسلام، فحاولت الحصول على الطلاق منذ سَبْعِ سنوات، ولم تتمكن من إقناعه لكي يطلقَها. فما الحل في نظر الشريعة الإسلامية، علمًا بأن المحكمة هي الجهة الوحيدة التي تملك حق إصدار الطلاق؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إذا أسلمت المرأة الكتابية وبقي زوجها على الكفر لم تعدْ حِلًّا له، فليس له أن يَطَأَها، ولا أن يخلو بها، وليس لها أن تمكنه من ذلك، والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: 10].
ثم لا يخلو الحال في هذه المرأة إما أن تكون مدخولًا بها أو لا: فإن كانت غيرَ مدخول بها تعجلت الفُرقة، وانقطعت العصمة بينهما على الفور؛ إذ لا عدةَ له عليها، ولا يجوز لكافر نكاح المسلمة، ولا يكاد يعرف في هذه المسألة خلافٌ يذكر، قال ابن المنذر: «أجمعَ على هذا كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم».
وإن كانت مدخولًا بها فالنكاح موقوف مدَّة العدة، فإن أسلم في عدتها فهو أحق بها، وهما على نكاحهما السابق، ولا حاجةَ لهما إلى استئناف عقد جديد، والأصل في ذلك ما رواه مالكٌ في «الموطأ» عن ابن شهاب أنه كان بين إسلامِ صفوان بنِ أميةَ وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر، أسلمت يوم الفتح، وبقي صفوانُ حتى شَهِدَ حنينًا والطائفَ وهو كافر ثم أسلم، ولم يفرق النبي بينهما، واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح، قال ابن عبد البر: وشهرةُ هذا الحديث أقوى من إسناده(1).
وقال ابن شهاب: أسلمت أمُّ حكيم يوم الفتح وهرَب زوجها عكرمةُ حتى أتى اليمن، فارتحلت حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم فبايع فثبتا على نكاحهما(2).
وقال أيضًا: ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى رسول الله وزوجها كافرٌ مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينه وبينها، إلا أن يقدم زوجها مهاجرًا قبل أن تنقضي عدتها(3).
وقال ابن شبرمة: كان الناس على عهد رسول الله يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلمَ قبل انقضاء العدة فهي امرأته، فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما(4).
وبناء على ما سبق فإن هذه المرأة التي أسلمت وبقي زوجها على كفره، ومضى على إسلامها هذه المدة الطويلة تكون قد بانت من زوجها بذلك، وانقطعت العصمة بينها وبينه، وهي أحقُّ بنفسها، وتستطيع من الناحية الإسلامية أن تتزوج بمن تشاء، ويبقى إشكالها بعد ذلك إشكالًا قانونيًّا بحتًا، والسبيل إلى حله بذل المزيد من الجهود القانونية لإقناع القضاء الأمريكي بالطلاق، أو بذلُ المزيد من جهود الوساطة بينها وبين زوجها السابق؛ لإقناعه بتطليقها حتى يتسنَّى لها استصدارُ حكم المحكمة بالطلاق، وعلى جماعة المسلمين في ناحيتها إعانتُها حتى تتجاوز أزمتها وتصل سفينتها إلى المرفأ! والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) «التمهيد» (12/19).
(2) أخرجه مالك في «موطئه» (2/545) حديث (1134).
(3) أخرجه مالك في «موطئه» (2/544) حديث (1133).
(4) «أحكام أهل الذمة» (2/653).