قبل أن أعزم على الزواج، استخرت ربي فوُفقت إلى ذلك بحمد الله، ولكني لم أشعر أبدًا أني أميل إلى تلك المرأة، فلم أزل أراود نفسي على القبول بها على أساس أن المرأة ذات الدين خيرٌ وأبقى من الميل والإعجاب، وأحسب أن زوجتي ذات دين وخلق، ولكن بعد الزواج لا زال هذا الشعور بالنفور يراودني، فهل هذا الإحساس طبيعي أم من همزات الشيطان؟
أتساءل دائمًا: هل يكفي أن تكون المرأة ذات دين وخلق لكي نحيا حياة سعيدة أم أن الإعجاب بالمرأة له النصيب الأوفر في الحياة الطيبة؟
أظنني لم أفقه جيدًا وصيةَ النبي ، فهلا تفضلتم علينا بما يسَّر الله لكم من علم لأتخلص من هذه الحالة النفسية المتوترة خا صة في حالات النزاع الذي يشب بين الحين والآخر بين الأزواج.
سؤال آخر: هل الزوجة معذورة على إهمال التزين لزوجها في حالة الحمل؟ وهي تحمل هموم تربية ولدين أحدهم في الرابعة من عمره والثاني في الثانية من عمره؟ وماذا عن الإيقاظ لصلاة الفجر وهي نائمة بحملها؟ هل تعد في حالة مرض؟ فكثيرًا ما أجد صعوبة في إيقاظها رحمة بها، فهي تتعب كثيرًا في شغل البيت والأولاد؟ بصِّرنا يا شيخ، رحمكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن أقل البيوت ما يبنى على الحب، وإنما يتعاشر الناس بالإسلام والأحساب، وأحسب أن الله جل وعلا قد وضع في قلبك رحمة تُجاه زوجك تجلَّت من بين سطور رسالتك، وقد بلغت بك مبلغَ أنك تجد مشقة نفسية في إيقاظها لصلاة الفجر رحمة بها، وفي ذلك نظر سنرجع إليه بعد قليل.
صفوة القول أيها الموفق أن كلا الأمرين معتبر: التوافق النفسي، والدين والخلق، ولا يُغني أحدهما عن الآخر؛ لهذا شُرعت الخطبة للتأكد من حصول هذه المجانسة، وشرع النظر للاستيثاق من ذلك، أما وقد مضى الأمر، وأصبحنا الآن نتحدث عن حياة قائمة بالفعل، وقد باركها الله تعال بولدين نسأل الله أن يجعلهما صالحين وأن يكونا لك قرة عين وأثرًا صالحًا ممتدًا في الحياة وبعد الممات.
فالذي أنصحكما به أن تقاوم مشاعرك التي تُزيِّن لك النفرة من أهلك في بعض الأحيان، واذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم : «لَا يَفْرَكْ(1) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةٌ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
ووطِّن نفسك على التكيف مع هذا الواقع، وافتح عينيك على ما تحمله زوجك من خلال الخير وهو كثير، وانظر إلى نفسك وارجع إليها بالملام والتقصير، واشغل نفسك بعمل صالح ينفعك في آخرتك، وسل الله أن يقذف المحبة بينكما والهدى في قلوبكما، فهو وليُّ ذلك والقادر عليه.
أما ما سألت عنه من إهمال بعض النساء لحسن التبعل لأزواجهن بسبب الحمل والرضاعة ونحوه، فلا شك أن المرأة بعد مجيء الولد تكون أثقل حملًا من ذي قبل، ولا ينبغي أن يتوقع منها زوجها أن تكون له كما كانت من قبل، لقد كانت منقطعة له متفرغة لإرضائه وحسن التبعل له، أما الآن وقد شاركهما فلذة كبدهما وثمرة فؤادهما في ذلك فينبغي على الزوج أن يحمد الله تعالى على هذه النعمة، فكم من الناس من قد حرم منها، ويتمنى لو يسوقها الله إليه ويبذل فيها النفس والنفيس، فينبغي أن يكون رحيمًا بزوجته، وألا يكلفها ما لا تُطيق، وألا يتوقع منها ما لا تقدر عليه، كما ينبغي على الزوجة ألا يستوعبها واقعها الجديد بالكلية، بل تجتهد في التوفيق بين متطلباته ومتطلبات زوجها وحاجاته، وأن تذكر دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْـمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
هذا ولا ينبغي أن تحملك الرحمة بها على ترك إيقاظها للصلاة، فإن الصلاة فريضة الله على عباده، وقد جعلها الله كتابًا موقوتًا(2). وجعلك الله قيمًا عليها في ذلك، فقارب وسدد بارك الله فيك. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أي: يبغض.
(2) قال تعالى: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].