أنا في حالة انفصالٍ مع زوجتي، والتي طردتني من البيت بحضور البوليس بعد خصامٍ بيني وبين أخيها، علمًا بأننا نعيش في بلاد أوربِّية منذ سنين.
زوجتي خرجت عن طوعي في العديد من المرَّات من أجل المال، ومن أجل أهلها، زوجتي لم تُحافظ لا على أولادي ولا على مالي، ولما خلص المال جاءت لي بالبوليس الذي صحبني خارج البيت وأرغمني على التَّوقيع على عدم التجول حَذْو البيت إلى إصدار حكم الطَّلاق.
ليس لي أقارب ولا أصحاب، بقيتُ أنا في الشَّارع تارةً وفي المسجد تارةً أخرى إذا سنحت الفرصة، سؤالي يتعلَّق بحالةٍ ثانية أنه عُرض عليَّ السَّفَر والسَّكن والشغل مع امرأة، وهي مستعدة للزَّواج ولكن بعد فترة من التَّجربة في العيش معها على حسب التقاليد التي في عقيدتها، ليس لي حلٌّ آخر.
حاولتُ مع زوجتي كلَّ الطرق للصلح ولكن من دون نفع، أؤكِّد أنني كنتُ زوجًا صالحًا وعاشرتُها بما يُرضي الله.
فبماذا تنصحونني: أنا في الشَّارع منذ حوالي شهرين، ولم تترك لي حتى حق أكل ليلة؟ ماذا أفعل؟ أذهب مع السَّيِّدة؟ هي قبلت أن تتزوَّجني ولكن بنطقها: زوجتُك نفسي. هي أوربية ولكن تعرف الكثير عن الإسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأما بالنِّسْبة لعلاقتك بزوجتك الأولى فقد قرأنا ما قصصته علينا من جانبك، وبقي أن نسمعَ من جانبها؛ لأنه لا يُقضى بين اثنين حتى يُسمع من كليهما، ولكن على كلِّ حالٍ أيًّا كان الأمر وأيًّا كانتِ المظالم، سواءٌ أكانت من جانبك أم من جانبها، فإن شيئًا من ذلك لا يُسوِّغ لك أن تعيشَ مع المرأة الجديدة وَفْق تقاليدها كما تقول «تجربة قبل الزَّواج»، فهذا هو الزِّنى بعينه الذي حرَّمه الله ورسوله، ويزداد الأمر قبحًا إذا كان الزَّاني مُتزوِّجا، وإن الله لم يُضيق عليك يا عبد الله، إذا كانتِ المرأة لا تُريد التَّوثيق القانوني للزَّواج فلا بأس بذلك، يُمكن تأخير التَّسجيل القانوني، ولكن يلزمك إنشاء العقد الشَّرعي وهو أمر لا يُكلفك ولا يكلفها شيئًا، والتي قبلت أن تقول لك: زوَّجتك نفسي. خُفية بينك وبينها لا يُعجزها أن تُكرِّر ذلك بحضرة اثنين من الشُّهود وعلى ملأٍ من النَّاس، فيمضي زواجُك معها على سنة الله ورسوله.
فلماذا نركب مراكب النحس وننتهك حدود الله ومحارمه ونحن قادرون على النجاة والاستقامة؟!
تزوَّج بها إن شئتَ زواجًا شرعيًّا صحيحًا، وأخِّر التَّوثيق القانوني إلى أن يشرح الله صدرها لذلك، وكن على حذرٍ، فإن القلوب تتقلَّب(1)! وهذه التي أقبلت عليك اليوم قد تُعرض عنك غدًا، وقد يُنشئ هذا في قلبك جراحاتٍ جديدة وينكأ ما فيه من جراحات قديمة.
فاستخر الله في كلِّ خطوة، واستشر المُقرَّبين من أحبابك في الله من حولك، ووثِّق صلتك بالمسجد والجالية الإسلاميَّة التي تعيش بينها، واختر على الخير أعوانًا، واعلم أن «مَثَل الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ»(2) كما أخبر بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم .
واعلم- وفقك الله- أن أخطر قرار يتخذه المرء في حياته قراره في اختيار الزوجة؛ لأنه شركة عمر ورفقة حياة! «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» كما أخبر بذلك المعصوم صلوات الله وسلامه عليه. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) فقد أخرج الترمذي في كتاب «القدر» باب «ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن» حديث (2140)، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم » حديث (3834) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟! قال: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»، وقال الترمذي: «حديث حسن».
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الذبائح والصيد» باب «المسك» حديث (5534)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء» حديث (5534)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .