هل يصح اشتراط عدم الإنجاب في عقود الزواج؟ بارك الله فيكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فالاتفاق بين الزوجين على عدم الإنجاب فإنه إما أن يكون على سبيل الدوام، أو على سبيل التأقيت:
فإن كان على سبيل التأقيت فلا حرج فيه، فيجوز للزوجين أن يتفقا عن رضا وتشاور بينهما على تأخير الإنجاب إلى أمد معلوم لمصلحة يقدرانها.
أما إن كان ذلك على سبيل الاستدامة فإنه ينافي مقصود الشارع من الزواج، فمن مقاصد الزواج التماسُ الولد، وإقرار عين النبي صلى الله عليه بتكثير أمته. فيصح العقد ويبطل الشرط، وفقًا للصحيح من أقوال أهل العلم.
قال شرف الدين الحجاوي رحمه الله: «إذا شرطا، أو أحدهما، الخيارَ في النكاح أو في المهر أو عدم الوطء أو إن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما، أو شرط عدم المهر، أو النفقة، أو قسمة لها أقل من ضرتها أو أكثر، أو إن أصدقها رجع عليها، أو يشترط أن يعزل عنها- بطَل الشرط وصحَّ العقد»(1).
لا يستثنى من هذا إلا إذا كان الزواج خارجَ ديار الإسلام، وتزوَّج بغير مسلمة، أو بامرأة سيئةِ الخُلُق والدين، وخشي على ولده منها من الفتنة في الدين، ولم تكن لديه بدائل أخرى للعفاف المشروع، فقد يمتهد في مثل هذه الأحوال الاستثنائية القبول بهذا الشرط وتصحيحه.
وقد ناقش الفقهاء ذلك بمناسبة حديثهم عن العزل عن الزوجة أو الأمَة وكونها بإذنها أو بغير إذنها، فنصَّ بعض فقهاء الحنفية على بعض الحالات التي لا يحتاج فيها الزوج إلى إذن زوجته بالعزل عنها: جاء في «الخانية» «أنه يباح العزل في زماننا لفساده» أي فساد هذا الزمان. قال الكمال: «فليعتبر عذرًا مسقطًا لإذنها». وعلق ابن عابدين بقوله: «قال الكمال عبارته. وفي الفتاوى: إن خاف من الولد السوءَ في الحرَّة يسعُه العزل بغير رضاها، لفساد الزمان، فليعتبر مثله من الأعذار مسقطًا لإذنها»(2).
كما أن قوله: «فليعتبر مثله من الأعذار… » يحتمل أنه أراد إلحاق مثل هذا العذر به، كأن يكون في سفر بعيد، أو في دار الحرب فخاف على الولد، أو كانت الزوجة سيئة الخلق، ويريد فراقها، فخاف أن تحبل.
فما رآه بعضُ الحنفية من الأعذار مجيزًا لإسقاط إذنها، ينحصر في اتجاهين:
أولهما: أن يكون العذر عامًّا، بأن يكون الزمن زمنَ سوء، ويخشى من الإنجاب في مثل هذا الوسط السيِّء، أو أن يكونا في دار الحرب، ويخشى من استرقاق الولد.
وثانيهما: أن يكون العذرُ خاصًّا، وذلك بأن يخشى من الحمل والولادة أثناء سفرهما سفرًا بعيدًا، أو كانت الزوجة سيئة الخلق، ويريد فراقها، فيخشى بأن تحبل ويترتب على ذلك ضياعُ الولد مستقبلًا بعد فراقهما.
وما قاله بعض علماء الحنفية هنا لا ينطبق على الزوج وحدَه، بل وعلى الزوجة أيضًا، كما نصَّ الحنابلة على أنه يجب على الزوج أن يعزل عن زوجته الحرة أو الأمة، كما يجب أن يعزل عن سُرِّيَّتِه بدار الحرب دون حاجة إلى الاستئذان؛ لئلا يُستعبَد الولد(3). والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————–
(1) «كشاف القناع» (5/98).
(2) «حاشية ابن عابدين» (3/175-176).
(3) «كشاف القناع» (5/189-190).