أود أن أسأل عن الحكم في الشكِّ في نية الطَّلاق المعلَّق؛ حيث لا يتذكَّر الشخص ما أراده عند الحلف بالطلاق المعلق: هل كان للحضِّ أو المنع، أم كان لإيقاع الطَّلاق؟ وهل البحث على الإنترنت عن طريق «جوجل» للبحث عن فتوى حول الطَّلاق بكتابة ألفاظ الطَّلاق، دون نِيَّةٍ طبعًا في إيقاع طلاقٍ، مثلًا ككلمات «أنتٍ طالقٌ»، فهل له أيُّ أحكام شرعية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأصل في الطلاق الـمُعلَّق عند الإطلاق إرادةُ الطلاق، إلا إذا نوى صاحبه خلاف ذلك، فعندئذٍ يُنظر فيما نوى.
وبناءً على ذلك فإنه يُرجع عند الشَّك إلى هذا الأصل، وهو أن الطلاق المعلق يُحمل على إرادة الطلاق، فإذا لم يقطع في الطلاق المعلق أنه لم ينو إلا الحلفَ فإن قوله يُحمل إرادة الطلاق، إذ هو الظاهر من هذه الصيغة فلا يعدل عنه إلا لمقتضٍ.
أما كتابةُ لفظ «أنت طالق» على موقع من مواقع البحث على النِّت بقَصْد التعرُّف على الأحكام الشرعيَّة المتعلِّقة بمثل هذا القول لا يُعتبر من قبيل الطَّلاق في شيء؛ لأن كتابةَ الطَّلاق عمومًا من كنايات الطَّلاق عند الجمهور(1)، فلا يقع بها الطَّلاق إلا مع النِّيَّة. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) جاء في «حاشية ابن عابدين» الحنفي (3/246-247): «كتب الطلاق، وإن مستبينًا على نحو لوح وقع إن نوى».
وجاء في «المنتقى» من كتب المالكية (4/14-15): «وإذا كتب الطلاق على غير عزم فله تركه ما لم يخرجه عن يده أو شهد عليه، فإن أخرجه عن يده على وجه الإرسال به إلى الزوجة فهو إنفاذ له كالإشهاد به وسواء كتب أنت طالق، أو إذا جاءك كتابي فأنت طالق. قاله مالك. (فرع): فإذا كتب ولم يشهد به ولم يخرجه عن يده، فإن له رده ويحلف أنه ما أراد إنفاذ الطلاق ووجه ذلك أنه يكتبه على وجه الارتياب فيه أو على وجه التهديد فيحلف لما احتمل أنه لم يكتبه إلا على وجه الطلاق».
وجاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (3/277): «(فصل: كتب الطلاق) ولو صريحًا (كناية ولو من الأخرس) فإن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (5/249): «(وإن كتب صريح طلاقها) أي امرأته (بما يبين) أي: يظهر (بخلافه) أي: بخلاف ما لو كتب صريح طلاق امرأته بما لا يبين كأن كتبه (بأصبعه على نحو وسادة) كعلى بساط أو حصير أو على شيء لا يثبت عليه الخط كالكتابة على الماء أو في الهواء؛ فإنه لا يقع طلاقه؛ لأن هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما لا يسمع (وقع) الطلاق، وإن لم ينوه (لأنها) أي الكتابة بما يبين (صريحة فيه) أي: الطلاق؛ لأن الكتابة حروف يفهم منها معنى الطلاق، فإذا أتى فيها بالطلاق، وفهم منها، وقع كاللفظ، ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدليل أنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بتبليغ الرسالة، فبلغ بالقول مرة، وبالكتابة مرة أخرى، ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون ويتوجه عليه صحة الولاية بالخط. ذكره في ” الفروع ” وإن كتب كناية طلاقها بما يبين فهو قياس على ما قبله. (ويتجه وكذا) حكم (نحو عتق) كظهار إذا كتب صريحه بما يبين، فإنه يقع، وهو متجه. (و) يتجه (أنه لو نسخ كتابا فيه لفظ طلاق زوجته؛ لم يقع إلا إن نواه) وهذا الاتجاه جزم به في ” الوجيز ” واستظهره في الرعاية ” وصوبه في ” الإنصاف ” والمذهب خلافه. (فلو قال) كاتب الطلاق (لم أرد إلا تجويد خطي، أو لم أرد إلا غم أهلي) قبل لأنه أعلم بنيته، وقد نوى محتملًا غير الطلاق؛ أشبه ما لو نوى باللفظ غير الإيقاع وإذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته؛ لا يكون ناويا للطلاق، وما روي من قوله عليه الصلاة والسلام: «عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» إنما يدل على مؤاخذتهم بما نووه عند العمل به، وهذا لم ينو طلاقًا يؤاخذ به (أو قرأ ما كتبه، وقال: لا أقصد إلا القراءة قبل) منه ذلك (حكما) كلفظ الطلاق إذا قصد به الحكاية».
وجاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (8/472-473): «(وإن) (كتب طلاق امرأته). يعني: صريح الطلاق (ونوى الطلاق: وقع)».